بقلم فيصل مرجاني
إنّ الجماعات الإسلامية في المغرب تمثل إشكالية عميقة تُهدد استقرار النسيج الاجتماعي ومكانة الدولة، نظرًا لتحكمها المتزايد في الفضاء العمومي ووسائل التواصل الاجتماعي. هذه الجماعات، التي تتجاوز أدوارها الدعوية التقليدية، أصبحت تُمارس ضغطًا مستمرًا عبر تظاهرات واحتجاجات وخطابات إعلامية متكررة تهدف إلى تقويض المؤسسات الرسمية وإضعاف شرعيتها. الأخطر من ذلك هو استهدافها المباشر لمؤسسات ذات صلة بالمؤسسة الملكية، مثل وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ووزارة الخارجية، بل وحتى شخصيات بارزة ترتبط برمزية الوحدة الوطنية، مما يُظهر أبعادًا خطيرة لمساعيها في إضعاف الدولة وتعزيز خطابها الإقصائي.
تحاول هذه الجماعات توظيف الدين كأداة سياسية لنشر أجندتها، وتستغل الخطاب الديني العاطفي للتأثير في فئات عريضة من المواطنين. ما يجعل هذا الوضع أكثر تعقيدًا هو قدرتها على استغلال الساحات العمومية ومنصات التواصل الاجتماعي لترويج رسائل تحمل في طياتها خطابًا مناهضًا للتعددية والتسامح. هذه الرسائل تُعبّر عن رؤيتها الأحادية التي تتناقض كليًا مع القيم التي أسس عليها المجتمع المغربي. الخطورة لا تكمن فقط في ما تعلنه هذه الجماعات من مواقف وخطابات، بل أيضًا في نهجها القائم على تكفير من يخالفها وتخوين من يعارضها، وهو ما يساهم في إحداث شرخ عميق داخل المجتمع.
إنّ التصريحات الأخيرة لوزير الأوقاف والشؤون الإسلامية التي حذر فيها من مخططات أجنبية تستهدف المغرب، جاءت بمثابة جرس إنذار يكشف عن وجود تهديدات جدية مرتبطة بتمدد هذه الجماعات المدعومة من قوى خارجية. عندما صرح الوزير بأنّه “لا يجوز التعاطف مع جماعة يخطط نظامها للتمدد بالمغرب”، فقد كان يُسلط الضوء على تحدٍّ غير مسبوق، يتطلب قراءة معمقة وطرح حلول عاجلة. ومع ذلك، يبقى التساؤل قائمًا حول ما إذا كان هذا التصريح يشكل بداية لتحرك رسمي صارم، أم أنه مجرد محاولة سياسية لاحتواء قلق متزايد.
ما يزيد من تعقيد المشهد هو صمت الأحزاب السياسية والمجتمع المدني، وهو صمت يثير التساؤلات بشأن دوافعه. هل هو خوف من خسارة تأييد شعبي تستمده هذه الجماعات من خطابها الديني؟ أم أنه عجز عن مواجهة خطاب شعبوي يتسلل بسهولة إلى قلوب وعقول المواطنين؟ هذا الصمت، سواء أكان نتاج تواطؤ أم تراخي، يمنح هذه الجماعات مساحة أكبر للتمدد. فالاعتقاد بأن هذه الكيانات غير مؤثرة هو خطأ جسيم، إذ إن تأثيرها في تشكيل الرأي العام واضح، وهي تستغل بساطة خطابها وقدرته على إثارة العواطف لبناء شرعية زائفة تمكنها من ممارسة نفوذ واسع.
المواجهة مع هذه الجماعات تتطلب إعادة النظر في الاستراتيجيات المتبعة على كافة المستويات. أولًا، يجب تعزيز سيادة الدولة على الفضاء العمومي من خلال تطبيق صارم للقوانين التي تجرّم خطاب الكراهية والتحريض، إلى جانب تعزيز الرقابة على الأنشطة التي تستهدف وحدة المجتمع. ثانيًا، ينبغي لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية تطوير خطاب ديني متوازن، يعزز قيم التسامح والانتماء الوطني ويُعيد تصويب الأفكار المغلوطة التي تروجها هذه الجماعات. ثالثًا، يجب على الأحزاب السياسية التحلي بالشجاعة اللازمة لمواجهة هذا الخطاب الديني الشعبوي، بدلًا من الاستفادة منه انتخابيًا على حساب التعددية والديمقراطية.
إن المجتمع المدني مطالب بلعب دور حيوي في هذه المواجهة، سواء من خلال التوعية بمخاطر الخطابات الإقصائية أو من خلال بناء خطاب بديل يعكس قيم الانفتاح والمواطنة. ويجب أن تُواكب هذه الجهود خطة إعلامية وتعليمية واضحة تهدف إلى تعزيز وعي المواطنين بمخاطر هذه الجماعات، التي تعمل على تقويض المؤسسات الوطنية تحت شعارات زائفة.
إنّ هذه الجماعات لم تعد مجرد حركات تعبر عن رأي أو قناعات دينية، بل تحولت إلى كيانات سياسية تسعى إلى فرض رؤيتها على الدولة والمجتمع، وهو ما يستدعي تحركًا حاسمًا لإيقاف تمددها وحماية القيم الوطنية. مواجهة هذا الخطر تتطلب إرادة سياسية قوية، ومقاربة شاملة توحد جهود الدولة والمجتمع المدني، للتصدي لهذه الجماعات بفاعلية واحترافية. الصمت والتردد لم يعدا خيارًا؛ إذ إنّ التأخر في التحرك قد يُكلف المغرب استقراره، ووحدته الوطنية.