ماريا معلوف
بداية العام وتحديدا في السابع عشر من يناير تفاجأت كغيري من المتابعين للشان الأمريكي بتصريح المنفذ السابق لهيئة الأوراق المالية والبورصات في واشنطن والذي قال فيه أن حركة العملات المشفّرة يمكن أن تحمل مفتاح الانتخابات الرئاسية للعام ٢٠٢٤…والمقصود هنا هو العملة الرقمية المنبثقة عن تطوير دولار رقمي من قبل الحكومة يتميز بسمات قابلة للبرمجة توصل إلى إدارة فعالة لحزم الحوافز.
من نافلة القول هنا أن الجمهوريين وعلى رأسهم الرئيس السابق دنالد ترامب- لا يملون كل ساعة من الحديث عن أنهم يعارضون بكل قوة السماح للاحتياطي الفيدرالي بإنشاء عملة رقمية للبنك المركزي (cbdc) معللين ذلك بأن مثل هذه العملة تمنح حكومات الولايات السيطرة المطلقة على أموال مواطنيها…..وتأتي معارضة ترامب لهذه العملة امتدادا لمعارضة غالبية الامريكيين لها ونقصد هنا الدولار الرقمي المدعوم من الحكومة بينما يعمل المرشحون الديمقراطيون مثل روبرت كيندي على إعلان الدعم لعملة البيتكوين زاعما وضعه رؤية داعمة لملكية البتكوين والتعدين في الولايات المتحدة ومحذرا مما سماه عرقلة الابتكار والتكنولوجيا.
ليس ترامب وحده فهذا رون ديسانتيس يتعهد في حال فوزه بإلغاء العملات الرقمية للبنك المركزي في أول يوم له في الرئاسة معاندا بذلك بعض الجمهور الأمريكي الذي يضم اعدادا كبيرة من مالكي الأصول الرقمية ويظهر ذلك بوضوح في ولايات مثل نيوهامشاير ونيفادا واوهايو وبنسلفانيا وبالطبع يعارض هؤلاء مرشحا يعارض العملات المشفّرة ولا ننسى تصريح الممثل الشهير (توم ايمير) عندما قال قبل عدة أيام أنه سيدعم ترامب فقط بسبب وعده بمحاربة العملات الرقمية للبنوك المركزية وأن السماح بالعملة الرقمية ماهو الا (مراقبة حكومية متوسعة ).
كذلك لابد من الاعتراف أيضا أنه ولطالما حارب الجمهوريون العملات المشفّرة تحت زعم أنها تضر بعملة الولايات المتحدة وأنها تبدو كعمليات احتيال وأنها ليست اموالا ولا تعتمد على شيء بل أن قيمتها متقلبة للغاية وتسهل السلوك غير القانوني بما في ذلك الأنشطة المحظورة مثل تجارة المخدرات… وبالتالي فإن اي معاملة سيجريها المواطن الأمريكي باستخدام العملة الرقمية للبنك المركزي ستؤدي به حتما إلى الضغط أو الابتزاز وهذا يتعارض مع الحقوق المدنية في الدستور الأمريكي .
نعم…فان العملات الرقمية قد يمكنها تحرير البشر من قيود البنوك والحكومات الوطنية لكنها قطعا ستمكن أفراد العصابات من تمويل انشطتهم المشبوهة وهي بالتالي ستكون أشبه بمخطط رقمي سيؤدي في النهاية إلى إلحاق الاضرار بالشخص الأقل قدرة على تحمل الخسارة و سيبقى الدولار هو العملة الحقيقة الوحيدة فقط للولايات المتحدة وسيبقى شائعا في العالم في حال وصول الرئيس ترامب إلى السلطة وهو الذي يؤكد دائما وجوب حماية (سيادة الدولار الأميركي )كاولوية أولى لأي إدارة أمريكية .
الدولار الرقمي في رأي الكثيرين سيوجد ظرفا يؤدي إلى اختفاء الأموال فجأة من الحسابات المصرفية للأشخاص واذا ما انتصر الجمهوريون في الانتخابات المقبلة ففي تقديري أنهم سيشكلون هيئات ناظمة تكون أكثر انسجاما مع(شركات الأصول المشفرة)المنبثقة عن إدارة بايدن هدفها وضع توصيات لسياسة واطر قوانين محتملة لتنظيم الأصول الرقمية قد تستغرق سنوات حيث لم تتضح حتى الآن رغبة الجمهور الأمريكي في مثل هذا النظام المالي وسيبقى الاحتياطي الفيدرالي في موقفه (الضبابي)بشأن هذه العملة حيث لايزال استكشاف الاحتمالات والمخاوف من أن تتحول العملة الرقمية إلى نظام عملة غير منظم وخارج نطاق اختصاص الحكومة الفيدرالية هو مايسيطر حتى اللحظة على موقفه الذي يصفه منسوبوه بأنه(بعيد جدا)عن إصدار قرار بشأن العملة الرقمية الخاصة.
ومهما يكن من أمر فإن أسواق الأسهم والعملات الرقمية تفضل عودة ترامب لرئاسة الولايات المتحدة بدل بقاء بايدن وذلك بسبب ان ترامب يؤيد الحرية المالية والضرائب الأقل على الاستثمارات في أسواق المال وحربه المقبلة على العملة الرقمية قد يصاحبها السماح بالنقاشات الطويلة حول جدواها مما يمكن الشعب الأمريكي في فترة عقد من الزمن أو أقل من أن يحدد المكاسب في مقابل الخسائر في حال إقرار الكونغرس ومجلس الشيوخ-وهو الذي لايزيد عدد المؤيدين لهذه العملة داخله عن ١٨عضوا- ولو بعد ١٠سنوات بالسماح ب(العملة الرقمية)داخل البنك المركزي.
اليوم وبالقرب من الكابيتول هنا في واشنطن كثر الحديث عن أن المرشحين الرئاسيين بدأوا في تعيين(مسؤولين داخليين)في حملاتهم الرئاسية خاصين ب(العملات المشفّرة )يتحدثون باسم هذا المرشح حول موقفه من هذه العملات مما يدلل على أن الموقف منها سيكون نقطة محورية في الصراع الانتخابي حيث الرغبة من الجمهوريين في أن تسعى جميع الشركات ومن ضمنها العاملةفي العملات الرقمية إلى ميثاق مصرفي وأن تخضع نفسها للقواعد التنظيمية التي لا تتلاشى معها الخصوصية وحماية المستهلك والاستقرار المالي.
في خلاصه فإنه ومابين العامين ٢٠٠٨ و٢٠٢٤ وفي كثير من انتخابات العالم الديمقراطي وجد البعض في صناعة مالية جديدة اسمها العملات الرقمية ضالته في إقناع الناخبين بالتصوبت له…واليوم ينتظر العالم كله انتخابات الجمهوريين في مقابل بايدن وهم الذين يريدون أصوات عشرات الملايين لمرشحهم ترامب عبر استمالة من بات يعرف بجمهور العملات المشفّرة والذي باتت شركاته تجاهر بتقديم التبرعات لبعض المرشحين ديمقراطيين وجمهوريين ليس آخرهم المرشح عن الحزب الجمهوري فيفيك راماسوامي وحتى وأن كان بايدن وترامب يتفقان على ضرورة التشديد على تلك الصناعة فإن ترامب لاينفك كعادته في الاستهزاء بخصومه أن يعلن ان العملة الرقمية لايمكن وصفها بحال على أنها صناعة بل هي في مفهومه باتت بلا قيمة فعلية مثل كثير من منافسيه داخل حزبه وحتى داخل الحزب الجمهوري.