بقلم: ماريا معلوف
أتت مقابلة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مع قناة “فوكس نيوز” الأميركية في توقيت دقيق وهام ليس على الصعيد المحلي الداخلي والإقليمي وإنما على الصعيد العالمي ، نتيجة التطورات التي شهدتها المنطقة والعالم، وقبل الخوض في تفاصيل وتحليل ما جاء فيها لا بد من تسجيل ملاحظتين في الشكل الأولى اجرت المقابلة في جزيرة سندالة على البحر الأحمر ضمن مشروع نيوم النموذجي، وفي ذلك رسالة للعالم انظروا إلى المستقبل الذي تحققه السعودية اليوم، والثانية ان الأمير محمد بن سلمان أجرى المقابلة بالانكليزية هادفاً بذلك مخاطبة الرأي العام الغربي معرفاً اياه الى ما وصلت اليه المملكة وتقديم رؤيتها للعالم مباشرة، فكانت المقابلة حديث الصحافة الغربية التي أفردت صفحاتها لمناقشة ما قاله ولي العهد.
وإذا ما عدنا الى محتوى المقابلة سنجد ان الأمير محمد بن سلمان تحدث بلغة الواثق بقدراته وقدرات بلده وشعبه، وأن السعودية هي الدولة الأسرع نمواً على الكوكب، كلام تؤيده التقارير الصادرة عن المؤسسات المالية وليس آخرها ما صدر عن وكالة “فيتش” الدولية، التي رفعت التصنيف الائتماني للسعودية بالعملة الأجنبية على المدى الطويل إلى “A +” من “A” مع نظرة مستقبلية “مستقرة”، وأن صافي الأصول الأجنبية السيادية يتفوق بشكل كبير على تصنيفيها “A” و”AA”. فالتصنيف يؤكد ان اقتصاد المملكة وقطاعها المصرفي هو الأكثر موثوقية ما يعزز تدفق الاستثمارات الأجنبية على السعودية، ولا يغيب عن ذهننا إختيار الشركات العملاقة للرياض كمركز إقليمي لها في المنطقة، ومنها شركة “بلاك روك” التي تدير أكبر صندوق ائتماني في العالم يصل الى 10 تريليون دولار أي مايعادل ميزانيات دول كبرى بإستثناء الولايات المتحدة والصين، وكذلك إختار العملاق الصيني “هواوي” السعودية وعلى خطاه مضت مايكروسوفت وغوغل.
بدا الأمير محمد بن سلمان في المقابلة زعيم ذو رؤية كما وصفه محاوره بريت باير، واستطاع ان يصل الى قلوب وعقول الشعب الأميركي كما قال ديفيد شينكر مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط السابق، فالأمير محمد بن سلمان أكد خلال المقابلة أن المملكة تحتاج الى المضي قدماً نحو سعودية أفضل، والإطلالة المقابلة أتت بعد اقل من اسبوعين على الإعلان التاريخي الذي اطلقه في قمة العشرين في الهند عن إنشاء مشروع السكك الحديدية والموانئ، الذي سيربط الهند بأوروبا عبر دول الخليج وتحديداً السعودية، فالمشروع يعتبر أحد أهم المشاريع اللوجستية القادمة التي ستؤثر في بنية الصناعة والتجارة للسعودية والمنطقة لا بل للعالم، حيث سيقلل من وقت نقل البضائع بين الهند وأوروبا بمعدل بين ثلاثة وستة أيام،ما سيترك تأثير ايجابي على زيادة الكفاءة، وتوفير الموارد من وقت وأموال، لم تغب فكرة الاعتماد على الطاقة النظيفة والاستثمار فيها عن مجريات المقابلة، خصوصا وأن الامير محمد سبق له وأطلق مبادرة الشرق الاوسط الأخضر ضمن توجه ورؤية 2030 في خلق اقتصاد قوي غير معتمد على النفط .
كما أكد الأمير محمد بن سلمان على العلاقات السعودية الأميركية مشيراً في حديثه الى التعاون الوثيق بين البلدين في العديد من القضايا العالمية، من اليمن وصولاً الى القضية الفلسطينية، منوهاً بالروابط العسكرية والأمنية بين الرياض وواشنطن وأنها تصب في صالح الدولتين، فالعلاقة الندية التي ارساها الأمير محمد يقوي موقف المملكة في الشرق الأوسط ويعزز بالتالي مكانة الولايات المتحدة في المنطقة، وأوضح ان التقارب السعودي الصيني ليس موجهاً ضد الولايات المتحدة خصوصاً وان بكين تلعب دوراً جوهرياً بالنسبة للعالم، وإن سقوطها يمثل سقوطاً للعالم أجمع بما في ذلك أميركا.
وبلهجة حاسمة أعرب الأمير محمد بن سلمان عن رفضه امتلاك أي دولة للسلاح النووي؛ لأن هذا يمثل تهديداً للأمن الدولي وللعالم أجمع، مؤكداً في الوقت نفسه ان السعودية ستضطر لامتلاك سلاح نووي في حال امتلكت إيران سلاحاً نووياً، كما أعرب عن سعادته بالتقارب التاريخي بين طهران والرياض، مبدياً تفاؤله بانهاء عقود من الصراع بين الدولتين.
كما أوضح الامير محمد بن سلمان أن مصلحة السعودية وضبط أسواق النفط العالمية هما ما يحرك السياسة النفطية للمملكة، وأن الأمر لا علاقة له بدعم طرف دون الأخر، وإنما مصلحتها الوطنية.
أما فيما خص السلام والتطبيع مع إسرائيل أكد الأمير محمد بن سلمان أن القضية الفلسطينية تعتبر أولوية قُصوى لضمان استمرار العلاقات مع إسرائيل والتوصل الى اتفاق، وأن أكثر ما يشغله هو حصول الشعب الفلسطيني على حياة أفضل وبالتالي حل الصراع التاريخي.
كما قدم الأمير محمد بن سلمان رؤيته للاستثمار في قطاعي الرياضة والسياحة واشار الى ان الاستثمار في قطاع الرياضة يمثل بوابة للنهوض بالقطاع السياحي، الذي ارتفع الى 7 في المئة من الناتج المحلي في حين ارتقعت مساهمة القطاع الرياضي في الناتج المحلي إلى 1.5 في المئة.
إذا واستناداً إلى الارقام و الى ماتضمنته المقابلة من توضيحات وشرح لرؤية ولي العهد السعودي، نخلص الى القول كما قال الامير محمد بن سلمان ان السعودية أعظم قصة نجاح في القرن الـ21، بفضل قيادته ورؤيته ، فقد كانت الاطلالة أكثر من مقابلة فقد جاءت بنكهة خريطة طريق للصناعة المستقبل ليس للسعودية وإنما للعالم .