ماريا معلوف
منذ تفجر الأحداث في غزة لاحت في الأفق بوادر مشاكل جديدة سيعانيها المجتمع الدولي مع الحوثيين في اليمن ذلك أنهم امتداد لفصائل ترى نفسها معنية بأية مشكلة ستقحم الدولة الإيرانية وملاليها نفسهم فيها…واليوم وبعد ما عاناه العالم من مشاكل في المياه الدولية في بحر العرب والبحر الاحمر وبعد تأثر إمدادات البضائع إلى دول العالم عبر قناة السويس بسبب اعتداءات الحوثيين رأت الولايات المتحدة أنه بات لزاما عليها مواجهة هذا الفصيل وهذه الميليشيا والتي في رأيي تتحمل الإدارة الأمريكية السبب في تمكينها من تطوير أسلحة ومن تعميق العلاقة مع إيران ومن السيطرة على اليمن .
خلال الأشهر الماضية ظهرت آراء متعددة داخل الإدارة الأمريكية عن كيفية التعامل مع هذا الأمر حيث انه وحتى الساعة يرى البعض في تلك الإدارة أن استخدام القوة وحده غير فعال فمواجهة مخزون الأسلحة الحوثية عبر إطلاق صواريخ بملايين الدولارات مكلف للغاية خصوصا ان الصواريخ الحوثية متعددة وقليلة التكلفة جدا…وحتى تحالف(حارس الازدهار ) قد يضطرب بمرور الأشهر اذا اثبت الحوثيون من القدرات ما يستطيعون من خلاله تهديد أمن البحر الأحمر وطرق التجارة الدولية في كل الاوقات.
خلال متابعتي هنا في واشنطن لتطورات الأحداث وخلال عدة نقاشات مع ساسة امريكيين استطيع القول إن الاستراتيجية الأمريكية تجاه الحوثيين منذ انطلاق الأحداث في غزة يمكن أن نجملها في الآتي:
اولا: منذ بدايات يناير الماضي وما حمله من وصف الرئيس الأمريكي لجماعة الحوثي بأنها تنظيم إرهابي كان واضحا أنه وبالرغم من التفوق التكنولوجي والاستخباراتي الأمريكي فواشنطن حتى الساعة تعلن أنها لا تعلم كميات ونوعيات الأسلحة لدى هذه الميليشيا ومنطلق الهجوم لدى الولايات المتحدة يبنى في هذه الحالة على العمليات الاستباقية التي تدمر أنظمة الصواريخ الحوثية عندما تكون جاهزة للاطلاق.
ثانيا/اذا ما نظرنا إلى التصرفات الأمريكية تجاه الميليشيات في الحالة العراقية والايرانية والسورية فإننا سنرى أن واشنطن اغتالت قيادات تلك الميليشيات وبعض المنتسبين إليها وهذا ما لم تقم به حتى اللحظة في الحالة اليمنية مما يدلل على أنها تريد تدمير أسلحة الحوثيين وليس قادتهم وفي تقديري أن الرئيس بايدن ينطلق من استراتيجية تهدف لالحاق اضرار محدودة بالحوثيين وليس هزيمتهم ولا رغبة له ابدا في إشعال الشرق الأوسط بحريق لا ينتهي.
ثالثا/في الداخل الأمريكي هناك قناعة بأن هجمات الحوثيين على البحر الأحمر تؤثر سلبا على الاقتصاد الأمريكي حيث أن اضطراب الملاحة في البحر الأحمر سيؤدي إلى ارتفاع التضخم قبيل الانتخابات الأمريكية فالبحر الأحمر وقناة السويس هي إحدى اهم طرق الشحن العالمية مما سترتفع معه التكاليف على المستهلكين الامريكيين فكيف اذا توسع الصراع وتأثرت التجارة العالمية بصورة أكبر من الصورة الحالية وارتفعت أسعار الطاقة والوقود حتى نهاية العام حيث الانتخابات الرئاسية وفي افضل الأحوال اذا حدث ذلك لن تكون هناك مكاسب للاقتصاد الأمريكي بالصورة المرجوة.
رابعا/ من اهداف الإدارة الأميركية وقف هجمات الحوثيين على احد اهم ممرات التجارة العالمية فهجمات هذه الجماعة تشكل تهديدات مستقبلية على السفن الأمريكية وربما القوات الأمريكية في المنطقة برمتها وهي تنطلق في سياستها تلك بما تعتقد أنه يتوافق مع القانون الدولي وأنها اي الولايات المتحدة تمارس حق الدفاع عن النفس الوارد في ميثاق الأمم المتحدة .
خامسا /يبدو الحوثيون اليوم قوة لايستهان بها وما غرق السفينة البريطانية ( روبيمار) والتي قصفتها الجماعة في ١٩فبراير الماضي الا دليلا قاطعا على ذلك في مشهد يذكرنا بالصراعات أيام الحرب العالمية الثانية وهذا بالتأكيد سيزيد من توريط الولايات المتحدة وقوى أخرى في الصراعات التي باتت تلوح في الأفق فكثير من القوى الاقتصادية لن تتحمل لوقت قد يطول تغيير آلاف السفن مسارات عبورها مما سيزيد التكاليف بعدة أضعاف لا تتحملها معظم الشركات العالمية.
سادسا/ أيضا تبدو الولايات المتحدة كمن يطلب رضا الحليف الأول للحوثيين وهو ايران لعلمها بمدى تأثير النظام الإيراني على تلك الميليشيا وما الرسالة التي وجهها بايدن منتصف يناير الماضي إلى إيران طالبا ضغطها على الحوثي الا دليلا على ذلك فالساسة الامريكيون يعلمون -وهم على قناعة- بأن إيران تقدم المساعدة الاستخباراتية للحوثيين من أجل استهداف مواقع القوات الأمريكية وخطوط الشحن التجارية في البحر الأحمر وهم اليوم يعلنون صراحة أن المصالح الأميركية والبريطانية باتت اهدافا مشروعة لهم.
سابعا/ اليوم تبحث الولايات المتحدة وحلفاؤها عن الخيار الأقل سوءا لمواجهة تبعات دخول الميليشيا الحوثية في صراعات المنطقة وما بين رغبتها في اضعاف القوة العسكرية للحوثيين ورغبتها في منع هجماتهم على إسرائيل وتخوفها من زيادة شعبيتهم في المنطقة العربية وظهورهم كلاعب أساسي في الشرق الأوسط كله تبدو أمريكا راغبة في بذل كل الجهود الدبلوماسية الممكنة وتبدو كذلك إدارة بايدن في صراع مع الوقت بسبب الضغط المتواصل من مجلس الشيوخ بضرورة تقديمها تقريرا إلى لجنة القوات المسلحة بالمجلس حول تأثير الهجمات الأمريكية على مقرات وأهداف ومستودعات الجماعات المدعومة من إيران وفي مقدمتها جماعة الحوثي وهل ستخلق تلك الهجمات وسائل ردع لتلك القوى والميليشيات .
في خلاصة….تبدو الولايات المتحدة كمن يريد جعل الصراع مع الحوثيين غير مرتبط بموقفهم من حرب غزة وهي بالتالي تقوم خلال هذه الساعات بإعادة تقييم الأوضاع والتشاور مع حلفاءها وشركاءها خصوصا ان التهديد الحوثي ربما سيكون أكثر شراسة كما صرح زعيم الجماعة يوم الخميس الماضي وتبقى التوترات الجيوسياسية المتزايدة في المنطقة ابعد من ادعاء طرف أنه إنما يمنع مرور السفن المملوكة لشركات إسرائيلية طالما استمرت الحرب في غزة أو من ادعاء الطرف الأمريكي أنه إنما يريد تأمين الممرات المائية والتجارية حيث تلوح في الأفق مشاريع التصفية الكاملة لقضية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي عبر ارهاصات نكبة جديدة ستجعل من فلسطيني الشتات الجديد كابوسا يؤرق كل الأطراف على مدى عقود مقبلة لن تكون فيه حروب القرصنة البحرية سوى موضوع هامشي أمام حروب الذكاء الاصطناعي التي لازالت الولايات المتحدة -وحتى إسرائيل-تستخدمها في أضيق الحدود تجاه الخصوم الذين باتوا في حيرة من امرهم.