خمسة نوفمبر والعرب

بقلم الدكتور محمد نصير

بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، أصبح العرب السُّنة، وبشكل أعم السُّنة عموماً، متهمين أمام الأمريكيين بأنهم إرهابيون. هذا الأمر أدى إلى توتر كبير بين صناع القرار الأمريكي والعربي. وبعد أن قررت الإدارة الأمريكية احتلال أفغانستان وإنهاء حكم طالبان، واحتلال العراق وإنهاء حكم البعث، ازداد انعدام الثقة بين الطرفين واشتد التوتر في العلاقة بين أمريكا والعرب. وعلى الرغم من وجود توافق حكومي بين الإدارة الأمريكية والأنظمة العربية، فإن التوتر الداخلي والاحتقان الشعبي ضد قرار أمريكا باعتبار السُّنة إرهابيين ومشاركين في أحداث 11 سبتمبر أحدث شرخاً في جدار العلاقات الأمريكية العربية (السُّنية تحديداً).

بالتأكيد، كان نظام الملالي في إيران النظام الديني الشيعي الوحيد في الشرق الأوسط عام 2001، والذي استغل فرص اهتزاز الثقة بين أمريكا والسُّنة. طرح نظام الملالي نفسه كبديل للأنظمة العربية في دور شرطي الخليج، وهو الدور الذي شعرت إيران أنها فقدته بعد الإطاحة بنظام الشاه ووصول نظام الملالي إلى الحكم. بدأت إيران باحتجاز رهائن أمريكيين ودعم ميليشيات شيعية في لبنان، مما جعل الإدارة الأمريكية في مطلع الثمانينيات تبحث عن بديل لإيران في المنطقة. ومع حرب أفغانستان وحربي الخليج الأولى والثانية، تأسست شراكة قوية بين الأنظمة العربية (السُّنية) والنظام الأمريكي العالمي.

وبالعودة إلى أحداث 2001، استغل نظام الملالي فرصة انعدام الثقة بين أمريكا والسُّنة، فساعد في احتلال أفغانستان وتسليم الشيعة الحكم هناك، وتكرر الأمر نفسه في العراق. أظهرت إيران ليونة غير مسبوقة مع الغرب لكسب ثقتهم ودعمهم، وهو ما تحقق فعلاً. خلال عقد من الزمن، أصبحت إيران تسيطر على أربع عواصم عربية مهمة: بغداد، دمشق، بيروت، وصنعاء، مما حدّ من الوجود السني إلى الرياض وحدها.

مع استمرار التوتر في شبه القارة الهندية وأحداث الربيع العربي في مصر وليبيا وتونس، وجدت الرياض نفسها وحيدة في مواجهة هذا الاضطراب. أما دعم إدارة أوباما للربيع العربي، فقد عمّق الشرخ بين أمريكا والعرب، وكان تسليم الحكم للإخوان المسلمين في مصر بمثابة الصاعقة. هنا، تحرك القادة الشباب، محمد بن سلمان ومحمد بن زايد، لاستعادة الثقة مع الإدارة الأمريكية وبناء جسور جديدة مع إدارة ترامب، التي تعاملت مع الشرق الأوسط بشكل مختلف عن أوباما.

ومع تصاعد التوتر بين نظام الملالي والإدارة الأمريكية بعد اغتيال قاسم سليماني، بدأت الثقة تعود تدريجياً بين السُّنة وأمريكا، خصوصاً بعد استقرار الحكم في مصر مع الرئيس السيسي. لكن المفاجأة كانت في خسارة ترامب الانتخابات وعودة إدارة أوباما للحكم من خلال بايدن، مما أعاد الفتور إلى العلاقات الأمريكية العربية.

ومنذ ذلك الحين، اتخذت الأنظمة العربية موقف الحياد تجاه الحرب الأوكرانية-الروسية. ومع دعم إيران لروسيا وتزايد قوة الميليشيات الإيرانية في المنطقة، ظل التحالف العربي السُّني (السعودية، مصر، الأردن، والإمارات) متماسكاً بانتظار فرصة لاستعادة زمام الأمور.

ثم جاءت أحداث السابع من أكتوبر، التي يمكن وصفها بأنها “11 سبتمبر جديدة” ولكن بعكس الأدوار؛ حيث بات الشيعة هم المتهمون بالإرهاب، والسُّنة في موقف المتفرج. لكن الفارق هو أن إدارة بوش الابن اتخذت قراراً واضحاً بضرب الإرهاب، في حين أن إدارة بايدن (OBK) ضعيفة ومترددة، مما أدى إلى خسارتها للطرفين المتصارعين (الشيعة وإسرائيل)، وزيادة في التوتر مع العرب السُّنة.

إسرائيل اضطرت للرد بمفردها، وحققت الانتصار تلو الآخر، وخاصةً بضرب حسن نصر الله وإسماعيل هنية. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل سيظل العرب السُّنة صامتين؟ الإجابة الواضحة هي: لا. إنهم ينتظرون عودة ترامب إلى الحكم، ليعيد التحالف الأمريكي السُّني لقيادة الشرق الأوسط، مع استهداف رأس الأفعى في طهران، مما قد ينهي الإرهاب في المنطقة.

في النهاية، يبقى الحل الذي ينتظره الجميع في الشرق الأوسط، بما في ذلك الأقليات الدينية والليبراليون، هو عودة ترامب إلى سدة الحكم، لإعادة تشكيل شرق أوسط جديد، خالٍ من التطرف والإرهاب. وحتى الخامس من نوفمبر، سيبقى العرب صامتين… ثم للكلام بقية.

Related Posts