بقلم: ماريا معلوف
من يتابع الوضع في السودان عن كثب، ويدخل الى عمق الحياة السياسية و دهاليزها، يكتشف مدى تغلغل الاسلاميين في مفاصل الحكم في ذلك البلد المترامي الاطراف مساحة والمتعدد الثقافات والاعراق والإثنيات، ويجد ان القوى الاسلامية فيه وتحديداً الاخوان المسلمين يمثلون الدولة العميقة في السودان، وأن اي طامح للرئاسة لا بد له من نيل بركة وغطاء الاخوان، ولكن اقول ومنذ البداية ان المتغطي بالاخوان المسلمين عريان، كونهم التجسيد الحقيقي لقلة الوفاء والنكث بالعهود حين يتعارضان مع مصلحة الاخوان التي تتفوق على اي شخص او حتى شعب.
وبالعودة الى ما تشهده الساحة السودانية من تطورات سياسية بقيادة جنرالات اغوتهم السلطة وتحولوا الى ادوات في يد الإخوان نجد تموذج الفريق ياسر العطا وهو نائب ومساعد قائد الجيش عبد الفتاح البرهان الذي يقود حرب الاخوان للعودة الى السلطة ، ولكن العطا برقت عيناه للسلطة ودخل في مزايدة على مواقف البرهان، وفي هذا السياق اتى تصريحه الأخير قبل أيام أن الجيش السوداني بقيادته والبرهان لن يسلم السلطة لحكومة مدنية خلال الفترة الانتقالية، كلامه هذا الذي يكشف النوايا المبيتة أتى في خطاب القاه امام قادة تنسيقية القوى الوطنية في قاعدة عسكرية بأم درمان، حيث أكد أن “الجيش لن يسلم السلطة إلى قوى سياسية مدنية دون انتخابات، أما فترة الانتقال فإن رأس الدولة فيها سيكون قائد القوات المسلحة”، وبذلك كشف المستور عن خطة الانفضاض على السلطة، وهذا الكلام يجعلنا نعتقد ان العطا قد ينقلب على البرهان كي تكون الإمرة له أو يبقيه وهو يدير الامور من الخلف، ودافع العطا في خطابه عن قتال التيار الاسلامي وكتائب البراء وقال انهم ايضا غاضبون، وانه ليس لديه صلاحية لسحب الجنسية من الكيزان او منعهم من الدفاع عن اعراضهم.
وأضاف العطا أن هناك 12 كتيبة من المقاومة الشعبية المسلحة الاسلامية المشرب تقاتل قوات الدعم السريع في أم درمان، وفي ذلك تأكيد ان الاخوان المسلمين الممثلين بالتيار الاسلامي وباقي الاذرع يخوضون الحرب بغطاء الجيش السوداني الذي حرفته قيادته الموالية للإخوان المسلمين عن دوره الحقيقي بأن يكون صمام أمان لا طرف، وهو ما تعمل على تصويبه قوات الدعم السريع من خلال مواجهة المشروع الاخواني وان تدثر بلباس الجيش.
وتصريحات العطا التي كشفت انه ليس سوى حصان طروادة الجديد للإخوان المسلمين من أجل حكم السودان بشكل علني، وهذا ما أكده القيادي بتحالف تنسقية “تقدم” ياسر عرمان، إنه “في لحظة صدق نادرة أفصح مساعد البرهان، في خطابه عن الأهداف الحقيقية لهذه الحرب ونوايا الذين يقفون من خلفها فهي لم تكن يومًا من أجل الكرامة أو الوطن بل من أجل استعادة السلطة والجاه من قبل الإسلامين ومنسوبيهم وحلفائهم من كبار الضباط”.
وأكد عرمان أنه دون بناء جيش وطني مهني لا يحمل فوق ظهره الإسلاميين ولا يتحكمون في قراره، لن نصل إلى استقرار أو ديمقراطية أو تنمية”، وهذا ما يتفق عليه جميع المراقبين للشأن السوداني كما ان الجميع يؤكد أن الحركة الإسلامية ومن خلفها الإخوان المسلمين لن يرجعوا إلى حجمهم الطبيعي ولن يتركوا الحروب والفساد والاستبداد والتنمر إلا إذا تم إنزالهم من على ظهر الجيش.
وعليه نخلص الى القول ان تصريحات العطا الأخيرة وحركته الاعلامية تكشف عدم رغبة المتحكمين بالجيش السوداني بإيقاف الحرب الدموية التي تفتك بالشعب السوداني، خصوصا ان تلك الطغمة صمت آذانها وغيبت عقلها عن كل الوساطات الاقليمية والدولية الداعية للوصول لحل شامل، وسط انفتاح قوات الدعم السريع على التوصل لوقف اطلاق للنار خلال شهر رمضان، تمهيداً ليكون وقف اطلاق نار دائم، ووضع حد لنزيف الدم السوداني الذي يزكيه الاخوان بغية نشر ثقافة الموت والخراب، وتلك الطموحات المتخيلة للعطا تكشف مدى الانسداد السياسي الذي يعانيه السودان لناحية الحياة السياسية السليمة.