من حماية التعايش إلى هندسة السلام: لماذا يستحق الملك محمد السادس جائزة نوبل للسلام؟

زكرياء بلحرش

في عالم يواجه تحديات معقدة، يبرز السلام كقيمة أساسية لبناء مجتمعات عادلة ومستقرة. يُعد التعايش بين الثقافات والأديان والحضارات ركيزة للاستقرار والتقدم، ويُشكل أساسًا للتفاهم والتعاون بين الأمم. في هذا السياق، يتألق المغرب كنموذج فريد للتعايش والتسامح، بقيادة الملك محمد السادس، الذي جعل من السلام والتعددية الثقافية والدينية أولوية وطنية ودولية.

المغرب: نموذج للتعايش والتسامح يتميز المغرب بتاريخ طويل من التعايش بين المسلمين واليهود والمسيحيين، متجذر في هويته الوطنية وقيمه الدينية المعتدلة. تتجلى هذه الهوية في مؤسسة إمارة المؤمنين، التي تحمي الحرية الدينية للجميع. دستور 2011 عزز هذا النهج، مؤكدًا على الإسلام كدين الدولة مع ضمان حرية ممارسة الشعائر الدينية للجميع. هذه الصيغة الدستورية جعلت المغرب نموذجًا للتسامح، حيث تنتشر المساجد والكنائس والمعابد جنبًا إلى جنب، تعبيرًا عن الانسجام الثقافي والديني.

رؤية الملك محمد السادس للسلام تحت قيادة الملك محمد السادس، عزز المغرب دوره كمنارة للسلام والحوار بين الأديان. من خلال مبادرات مثل معهد محمد السادس لتكوين الأئمة ومؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، يروج المغرب للإسلام الوسطي الذي يرفض التطرف ويعزز التسامح. كما ساهم الملك في تعزيز الحوار بين الأديان، ودعم المبادرات الثقافية والفنية التي تُبرز قيم السلام وحقوق الإنسان.

على الصعيد الدولي، برز الملك كمدافع عن حقوق الإنسان والديمقراطية، ورائد في قضايا الهجرة والأقليات. على سبيل المثال، بين عامي 2014 و2015، سَوَّى المغرب أوضاع 50 ألف مهاجر من إفريقيا جنوب الصحراء، مقدمًا نموذجًا للتعايش السلمي. كما لعب دورًا محوريًا في تقريب وجهات النظر في ليبيا، وساهم في إرسال مساعدات إنسانية خلال أزمات مثل إيبولا وكوفيد-19، حيث دعم 15 دولة إفريقية بموارد طبية.

جهود حفظ السلام وحل النزاعات شارك المغرب في عمليات حفظ السلام الدولية، من خلال نشر قواته في دول مثل الكونغو وجمهورية إفريقيا الوسطى. كما أسهم في مكافحة الإرهاب عبر تعاون أمني فعال مع دول العالم، حيث أشادت دول مثل الولايات المتحدة وأوروبا بكفاءة الأجهزة الأمنية المغربية. في ديسمبر 2024، نجحت وساطة الملك في تحرير أربعة مسؤولين فرنسيين محتجزين في بوركينافاسو، مما عزز سمعة المغرب كوسيط دولي موثوق.

في الشرق الأوسط، اتخذ الملك موقفًا متوازنًا، حيث أعاد العلاقات مع إسرائيل في 2020 دون التخلي عن دعم القضية الفلسطينية، موجهًا مساعدات إنسانية إلى غزة. كما حافظ على نهج دبلوماسي مع الجزائر رغم التوترات، مؤكدًا على سياسة اليد الممدودة للسلام.

التزام بالتنمية والبيئة عزز الملك محمد السادس التنمية المستدامة من خلال مبادرات مثل “التكيف مع الفلاحة الإفريقية”، التي تدعم التعاون الزراعي في إفريقيا. كما تبنى المغرب سياسات بيئية لمواجهة التغيرات المناخية، وساهم في بناء مستشفيات ميدانية ومراكز صحية في دول إفريقية، مما يعكس التزامه برفاهية الشعوب.

دعم المساواة والعدالة الاجتماعية عمل المغرب على تعزيز حقوق المرأة من خلال إصلاحات مدونة الأسرة، التي تهدف إلى تمكين النساء اقتصاديًا واجتماعيًا. كما أقر الملك بالهولوكوست كمأساة إنسانية، في خطوة غير مسبوقة بين القادة العرب، داعيًا إلى مواجهة التطرف وتعزيز ثقافة السلام.

لماذا جائزة نوبل للسلام؟ إنجازات الملك محمد السادس خلال ربع قرن من الحكم تجاوزت حدود المغرب، حيث شملت تعزيز السلام، مكافحة الإرهاب، دعم الهجرة، وحماية البيئة. مبادراته في الحوار بين الأديان، حل النزاعات، والتنمية المستدامة جعلته رمزًا للسلام العالمي. تكريمه بجائزة “جان-جاريس” للسلام في 2021 يعكس هذا الإرث.

خاتمة بفضل رؤيته الحكيمة، أصبح المغرب نموذجًا للتعايش والتسامح، والملك محمد السادس قائدًا للسلام يستحق التقدير العالمي. منح جائزة نوبل للسلام له سيكون تكريمًا لجهوده في بناء عالم أكثر أمنًا وعدلاً، وسؤال يبقى: أليس الآن هو الوقت المناسب لتكريم هذا الإرث؟

Related Posts