خطر انتزاع الأطفال قسراً عن عائلاتهم على المجتمع
بقلم : د. عبد العزيز طارقجي
باحث في الانتهاكات الدولية لحقوق الإنسان
24/4/2023
انتزاع الأطفال قسراً من عائلاتهم يشكل خطراً كبيراً على المجتمع بل وعلى الإنسانية جمعاء، وأهمها أنه يؤدي إلى تفكك العائلات وتدمير القاعدة الإجتماعية، مما يؤثر سلباً على الأطفال والمجتمع بشكل عام.
ولذلك، يجب على الحكومات والمجتمعات العمل بشكل جاد لحماية حقوق الأطفال والأسرة وتحديد الضوابط والإجراءات اللازمة لضمان عدم تعرض الأطفال للانتزاع القسري من عائلاتهم.
تعتبر الأسرة من أهم مؤسسات المجتمع، حيث توفر الحماية والرعاية للأطفال، وتساعد في بناء الهوية الاجتماعية والثقافية للأفراد.
ومع ذلك، فإن بعض الأطفال يتعرضون للانتزاع القسري من عائلاتهم بسبب أسباب مختلفة مثل “العنف الأسري” أو “الفقر” أو “التمييز العنصري” أو “الديني”.
يعاني الأطفال الذين يتم انتزاعهم قسراً من عائلاتهم من آثار نفسية واجتماعية سلبية قد تكون مؤلمة جدا ، حيث يشعرون بالحرمان من رعاية الأسرة والحب العائلي الذي لا يمكن تعويضه في مكان أخر، ويصبحون بعد فترة المراهقة أكثر عرضة للتعرض للعنف والاستغلال والتمييز والجريمة المنظمة، كما يمكن أن يعانوا من مشاكل الصحة العقلية والسلوكية.
لحماية حقوق الأطفال والأسرة، يجب أن تتبنى الحكومات سياسات وقوانين تحمي حقوق الأسرة ووحدتها، قبل ان تتبنى قوانين وتشريعات تسهم في تدمير العائلات.
المخاوف كثيرة من خطر انتزاع الأطفال قسراً عن عائلاتهم، حيث يعتبر هذا الأمر من أخطر الممارسات التي يمكن أن يواجهها المجتمع.
الأطفال هم الأمل الحقيقي للمجتمعات، و هم الأساس في بناء المستقبل، ولا يمكن لأي مجتمع أن يتمتع بالاستقرار والازدهار في ظل غياب الأطفال عن عائلاتهم الأصلية.
الأطفال هم الضحايا الأكثر تأثراً في المنازعات القانونية والاجتماعية، حيث يتعرضون لمخاطر كبيرة عند فصلهم عن عائلاتهم بشكل قسري، فالأطفال يحتاجون إلى الاستقرار النفسي والعاطفي والاجتماعي الذي يأتي من العيش مع عائلاتهم وليس من خلال الملاجئ او التبني من خلال عائلات أخرى.
وبالتالي، إذا تم انتزاع الأطفال من عائلاتهم قسراً، فإن هذا الأمر يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات نفسية وعاطفية لدى الأطفال، وهو ما قد يؤثر على مستقبلهم بشكل كبير.
وفي هذا الصدد، تذكر الإتفاقية الدولية لحقوق الطفل، والتي تهدف إلى حماية حقوق الأطفال والحفاظ على وحدة الأسرة والتي نصت على ضرورة توفير الحماية القانونية للأطفال الذين يعيشون في بيئات غير صحية أو في حالات انعدام الرعاية العائلية.
ولكن في الوقت ذاته ، تحظر الإتفاقية الدولية لحقوق الطفل انتزاع الأطفال من عائلاتهم قسراً إلا في حالات محددة وبعد دراسة وتقييم دقيق للحالة من قبل مختصين ومعالجين نفسيين خبراء بالقانون ومدربين بشكل مختص بطرق التعامل مع الأطفال ، وليس كما يجري في بعض البلديات الأرجنتينية حالياً حيث يتم تعيين هؤلاء المسؤولين في ما تسمى لجان (الخدمة المحلية) بطرق المحسوبية السياسية، وأكاد أجزم بأن أغلب هؤلاء لا يعرفون ما ورد من نصوص قانونية في الإتفاقية الدولية لحقوق الطفل.
إن الأسرة تمر بظروف صعبة عندما يتم انتزاع الأطفال قسراً من أحضانهم، إنها تجربة مؤلمة بالنسبة للطفل والأسرة على حد سواء.
ويعتقد البعض بأن هذه الممارسات تهدف إلى حماية الطفل، ولكن الحقيقة أن هذا العمل يتسبب في الكثير من المشاكل الاجتماعية والنفسية.
تتضمن هذه المشاكل نقص الثقة في المؤسسات الحكومية وعدم الرضا عن الحكومة او الطبقة السياسية الحاكمة، وقد تتسبب بتصاعد العنف المجتمعي، وزيادة التفاوت الاجتماعي، حيث ينبغي للحكومات التركيز على حماية الحقوق الأساسية للأطفال، بما في ذلك الحق في العيش مع عائلاتهم.
تشير المواثيق والاتفاقيات الدولية بوضوح إلى حقوق الطفل وحمايته.
ونذكر بأنه في العام 1989، وافقت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على “اتفاقية حقوق الطفل”، والتي تحدد حقوق الطفل وتعزز حمايتهم من الاستغلال والتهميش.
تؤكد المادة 9 من الاتفاقية على أهمية الأسرة والحق في العيش مع الوالدين، وتطالب الحكومات باتخاذ إجراءات للحفاظ على الوحدة الأسرية.
بالإضافة إلى ذلك، تتضمن المادة 20 من الاتفاقية حق الأطفال في الحماية والرعاية اللازمة من الحكومات، والتي ينبغي أن تشمل الحق في الحياة العائلية.
تجدر الإشارة إلى أن انتزاع الأطفال قسراً عن عائلاتهم ليس مسموحاً إلا في الحالات القصوى والضرورية وقد شرحنا في بداية هذا المقال الشروط القانونية لذلك ((من قبل أشخاص مختصين قانونيين ومعالجين نفسيين وليس كما يحدث الان من خلال بعض الاغبياء عديمي الضمير والمسؤولية))، كما ويتضمن القانون الدولي المعايير التي يجب توافرها لتبرير اتخاذ قرار انتزاع الطفل من عائلته.
من بين الاتفاقية والمواد القانونية التي تدعم “حقوق الطفل” وتؤكد على أهمية حمايته من الانتزاع القسري هي:
1- اتفاقية حقوق الطفل: هي اتفاقية دولية صادق عليها معظم دول العالم وتضمن الحفاظ على حقوق الطفل فيما يتعلق بالحياة، والصحة، والتعليم، والحماية من التمييز، والتدخل في الحياة الخاصة، والحماية من العنف والاستغلال والإساءة.
2- القانون الدولي الإنساني: يحظر القانون الدولي الإنساني استخدام الأطفال في النزاعات المسلحة ويتطلب توفير الحماية اللازمة لهم في حالات النزاعات المسلحة.
3- القانون الجنائي: يحظر القانون الجنائي الدولي والمحلي اختطاف الأطفال وتجارة الأطفال ويعاقب على ذلك بشدة.
4- الدستور الديمقراطي: تحمي كافة دساتير الدول الديمقراطية في العالم حقوق الأسرة ويعتبر حماية الأطفال من الانتزاع القسري حقًا دستوريًا للأسرة.
5- قوانين حماية الطفل: توجد في كثير من الدول التي تحترم الديمقراطية وحقوق الإنسان قوانين خاصة بحماية الأطفال وحقوقهم، وتشمل هذه القوانين الحماية من الإساءة والاستغلال والإهمال، وضمان التعليم والصحة الجيدة والحماية من التمييز.
6- قوانين الرعاية الاجتماعية: تتضمن قوانين الرعاية الاجتماعية توفير الرعاية والحماية اللازمة للأطفال المحتاجين والمعرضين للخطر، وتعزيز دور الأسرة في تربية وحماية الأطفال.
7- قوانين الهجرة واللجوء : تشمل قوانين الهجرة واللجوء حماية الأطفال اللاجئين والمهاجرين وضمان حقوقهم الأساسية، وتوفير الحماية لهم ، وتأمين وحدة العائلة وضمان عدم تقسيمها او إلحاق الضرر بها.
في ظل هذه الإطار القانوني والحقوقي، يتضح لنا بوضوح خطورة انتزاع الأطفال قسراً من عائلاتهم وتفكيك الأسرة، حيث ينتهك هذا العمل العديد من الحقوق الأساسية للطفل ويؤثر بشكل كبير على تنمية شخصيته وسلوكه المستقبلي.
إن حق الطفل في الحياة الأسرية والحماية مكفول بموجب العديد من المواثيق والاتفاقيات الدولية، بما في ذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان واتفاقية حقوق الطفل 1989، والتي نصت على أن “الطفل يجب أن ينشأ في بيئة عائلية ويتمتع بالرعاية اللازمة لتحقيق التنمية الكاملة لشخصيته”.
وبموجب المادة (9) من اتفاقية حقوق الطفل، يجب أن يفرض القانون حظراً على جميع أشكال الاعتداء الجسدي والعقلي والإهمال الذي يتعرض له الأطفال، بما في ذلك انتزاع الأطفال من عائلاتهم. وتتطلب هذه المادة من الدول الأطراف اتخاذ إجراءات مناسبة لحماية الأطفال من جميع أشكال الإيذاء والإهمال والتمييز.
بالنظر إلى ما سبق، يجب علينا جميعاً العمل على تعزيز حقوق الطفل وحمايتها بكل السبل المتاحة.
يجب علينا التفكير بعناية في حماية حقوق الأطفال، وضمان بقاءهم مع عائلاتهم وأحبائهم الذين يهتمون بهم ويحافظون على سلامتهم ورفاهيتهم.
يجب على المجتمع والحكومات تبني السياسات والأنظمة اللازمة لضمان حماية الأطفال وعدم تعريضهم للخطر من خلال إجبارهم على الانتقال إلى عائلات غريبة او أي مكان أخر.
لذلك، يجب الالتزام بالمواثيق الدولية والقوانين المحلية ذات الصلة التي تحدد حقوق الأطفال، مثل اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل وقانون الأحوال الشخصية الذي ينص على حماية حقوق الطفل وتوفير بيئة آمنة ومستقرة لتنمية شخصية الطفل بأفضل طريقة ممكنة.
لا يمكن أن نسمح بأن تفقد حياة الأطفال أهميتها وقيمتها، وعلينا جميعاً العمل معًا ، لنقف معاً ضد أي محاولة لانتزاع الأطفال قسراً من عائلاتهم ولنعمل بكافة الطرق السلمية المتاحة على إقرار السياسات والأنظمة اللازمة لحماية حقوق الطفل بالشكل الصحيح.