*بقلم: ماريا معلوف*
أدت نتائج الجولة الثانية من الانتخابات البرلمانية الفرنسية إلى تصدر أقصى اليسار أو التحالف اليساري الجديد للنتائج دون أن يحوز على الأغلبية المطلقة في البرلمان، ما يفتح الباب أمام تحالفات ستكون معقدة. قد يوصل هذا فرنسا إلى برلمان معلق، حيث لم يحصل أي من الأحزاب على الأغلبية في الجمعية الوطنية الفرنسية، وهذا ما يؤكده المتابعون حيث قالوا إنه لا يوجد حزب لديه ما يكفي من المقاعد للحكم، مما يعني أن سيناريو “البرلمان المعلق” يلوح في الأفق، وهو السيناريو الذي يتم تنفيذه عندما لا يحقق أي من الأحزاب السياسية أو التحالفات الحزبية أغلبية مطلقة في مقاعد البرلمان.
وفي المعطيات، حصل تحالف الجبهة الشعبية الجديدة اليساري على أكبر عدد من المقاعد، لكنه لم يصل إلى 289 مقعداً اللازمة لضمان الأغلبية المطلقة في مجلس النواب. ويرى المراقبون أن هذه النتيجة تعتبر هزيمة لحزب التجمع الوطني اليميني المتطرف، الذي توقع الفوز بالجولة الثانية، غير أنه تراجع جراء التنسيق بين الجبهة الشعبية الجديدة وكتلة “معاً” للرئيس إيمانويل ماكرون من أجل خلق حالة التصويت المضاد لليمين المتطرف.
ففي النتائج، حل حزب التجمع الوطني في المركز الثالث بعد تكتل “معاً”، وهذا يعني أن أيا من الكتل الثلاث لن تستطيع تشكيل حكومة أغلبية وستحتاج إلى دعم من الآخرين لتمرير التشريعات.
وهذا الأمر لم تعتد عليه فرنسا في الحياة السياسية والمتمثل ببناء تحالفات بعد الانتخابات كما هو شائع في الديمقراطيات البرلمانية في شمال أوروبا مثل ألمانيا وهولندا.
وفي هذا السياق، دعا السياسي اليساري المعتدل رافائيل غلوكسمان الطبقة السياسية إلى التصرف “مثل البالغين”، في وقت استبعد زعيم حزب فرنسا الأبية اليساري، جان لوك ميلانشون، إمكانية تشكيل ائتلاف واسع ودعا الرئيس ماكرون إلى دعوة الائتلاف اليساري للحكم. وفي هذا الإطار، أعلن ستيفان سيغورن، زعيم حزب ماكرون، أنه منفتح على العمل مع الأحزاب الرئيسية، لكنه استبعد أي اتفاق مع حزب ميلانشون، في حين استبعد رئيس الوزراء السابق إدوارد فيليب أي اتفاق مع حزب أقصى اليسار.
من هنا، وفي حال عدم التوصل إلى اتفاق بين الأحزاب والكتلة الفائزة، ستدخل فرنسا منطقة مجهولة، حيث ينص الدستور على أن ماكرون لا يمكنه الدعوة إلى انتخابات برلمانية جديدة لمدة 12 شهراً أخرى.
وهذا الأمر يذكرني بما يعيشه لبنان من حالة تعطيل للحياة البرلمانية والسياسية بسبب عدم وجود أغلبية برلمانية واضحة من أجل تسيير شؤون البلاد والعباد. حيث تلك الحالة ستؤدي إلى تعليق العمل البرلماني في فرنسا، حيث ينص الدستور على أن يختار ماكرون من سيشكل الحكومة، ولكن أياً كان من سيختاره سيواجه تصويتاً على الثقة في الجمعية الوطنية في 18 يوليو/تموز الجاري. وفي المعلومات، يحاول الرئيس ماكرون إبعاد الاشتراكيين والخضر عن الائتلاف اليساري لتشكيل ائتلاف يسار الوسط مع كتلته، ولكن لا يوجد ما يشير إلى تفكك وشيك للجبهة الشعبية الجديدة. وإن كان ثمة خيار آخر متمثل بالذهاب إلى تشكيل حكومة تكنوقراط تدير الشؤون اليومية ولكنها لا تشرف على التغييرات الهيكلية، وهو ما سيتطلب دعم البرلمان، وهذا ما سينعكس على دور فرنسا المتراجع في الأصل من إفريقيا وصولاً إلى الشرق الأوسط.
إذاً، قد نكون أمام متغيرات كبيرة على صعيد القوى الكبرى المؤثرة في العالم.