بقلم: علاء الدين محمد أبكر
لم تكن المفاجأة في تعرض إيران لضربة عسكرية بسبب برنامجها النووي، ولكن المفاجأة الكبرى كانت في قيام إسرائيل بتبني العملية العسكرية لوحدها وبدون مساندة مباشرة من جانب حلفائها.
في العام 2009، كاد أن يشهد ضربة أمريكية مباشرة ضد المنشآت النووية الإيرانية، خاصة بعد تعثّر المفاوضات غير المباشرة ما بين إيران ومجموعة الـ5+1 التي كانت تمثل الجانب الأمريكي. وكما هو معروف، فإن إيران كانت ترفض الجلوس المباشر مع واشنطن، ولكن حدثت المفاجأة بقبول الطرفين (إيران وإدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما) طيّ صفحة الخلاف عبر الاتفاق النووي، الذي يسمح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بتفتيش المنشآت النووية الإيرانية، مع إشرافها على قيام إيران بتخصيب اليورانيوم وفق الأغراض السلمية.
وبالفعل، استمر العمل بتلك الاتفاقية مع مراقبة صارمة عبر الكاميرات الحديثة التي نُصبت داخل وخارج مواقع إيران النووية. ومع وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى سدة الحكم في البيت الأبيض في العام 2017، وخلال فترته الأولى، خرج بعد أشهر من الاتفاق النووي بعد أن أبدى جملة ملاحظات حول الاتفاق، الذي سمح للإيرانيين بالكثير من وجهة نظره.
وبذلت مجموعة الخمسة الأوروبية والاتحاد الأوروبي جهودًا في محاولة إقناع الولايات المتحدة بالبقاء في الاتفاق، من أجل المحافظة على حالة الاستقرار في منطقة الخليج العربي التي تلت فترة توقيع الاتفاق النووي ما بين إيران والاتحاد الأوروبي.
هذا، ولم تشهد هذه الفترة تعاونًا فعالًا من جانب إيران، وكثيرًا ما شكك خبراء وكالة الطاقة الذرية في نوايا طهران بشأن التقيد بمعدل منخفض في تخصيب اليورانيوم، مما قاد إيران في أكثر من مرة إلى نزع بعض الكاميرات من بعض منشآتها النووية.
ومن جانب آخر، كانت إسرائيل تراقب عن كثب ما يحدث داخل إيران، ولم تغفل الأحاديث الإعلامية للقادة الإيرانيين حول نوايا بلادهم في تدمير إسرائيل، مما جعل تل أبيب تعمل لأجل إيقاف البرنامج النووي الإيراني بأي شكل من الأشكال، ولو كان ذلك عن طريق استخدام القوة.
وعلى الجهة المقابلة، كانت إيران تضع القواعد الأمريكية في دول الخليج العربي أهدافًا مشروعة في حال تعرضها لضربات عسكرية أمريكية، مع قيامها بإغلاق تام لمضيق هرمز بهدف تعطيل الملاحة البحرية في الخليج العربي واللعب بورقة النفط، مما يدخل العالم في أزمة اقتصادية، خاصة بعد توقف الغاز الطبيعي والنفط من روسيا عقب حربها مع أوكرانيا، مما جعل أوروبا تبحث عن مصادر جديدة للطاقة، وكان الخليج العربي من ضمن الخيارات.
خصوصًا وأنه في جعبة إيران كان هناك دائمًا ورقة استغلال (سلاح النفط والغاز وعامل الوقت).
فإيران، بعد نجاتها من ضربتين عسكريتين في العامين 2009 و2019، ظنت أنها لن تتعرض لهجوم عسكري حقيقي، وذلك وفق استراتيجية وفكر قادتها السياسيين، استنادًا إلى ما حدث في العام 1991 عندما قام العراق، في عهد الرئيس صدام حسين، بقصف إسرائيل بصواريخ “سكود”، ولم ترد حينها تل أبيب على العراق وفق نصيحة أمريكية، ظنًا من واشنطن أن التدخل العسكري الإسرائيلي المباشر ضد العراق قد يحرك مشاعر الشارع العربي والإسلامي، الذي كان في ذلك الوقت يعارض وجود القوات الأمريكية في الخليج العربي، بالرغم من أن وجودها كان وفق قرار صادر من مجلس الأمن الدولي، الذي طالب العراق بالخروج غير المشروط من الكويت.
على ذلك الافتراض، كان اعتماد القيادة الإيرانية على تلك النتائج التاريخية السابقة على أنها قد تمنع إسرائيل من الهجوم عليها في المستقبل، وهذا التصور والتحليل الإيراني استند إلى تحليل لم يخضع إلى منطق العقل، وإنما إلى العاطفة، مما قاد إلى نتائج كارثية، فالأحداث السياسية في العالم في تصاعد مستمر على مدار الوقت، ولا تعترف بالماضي، بل تعتمد على ما يحدث حاضرًا، والذي بالتالي يصنع المستقبل.
من هنا، فإن مقتل قادة الصف الأول للجيش الإيراني وقيادة الحرس الثوري عكس حالة الضعف الأمني في إيران؛ فمنذ اللحظة الأولى، فقدت كل من:
• رئيس الأركان اللواء محمد باقري
• الجنرال اللواء حسين سلامي، قائد الحرس الثوري
• اللواء غلام علي رشيد، قائد غرفة عمليات هيئة الأركان
• قائد القوة الصاروخية
• العديد من رجال الاستخبارات
• إضافة إلى مقتل 6 من العلماء النوويين الإيرانيين.
فإيران لم تضع في حساباتها احتمال قيام إسرائيل بشن هجوم عليها، وقد كان اعتقادها أن الهجوم المرتقب سوف تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية، وأن ذلك الأمر يحتاج إلى تحريك واشنطن لحاملة طائراتها من غرب المحيط الهادئ إلى بحر العرب، ومنه إلى خليج عمان أو الخليج العربي، مما يتطلب ذلك عدة أشهر، تكون حينها القيادة الإيرانية قد كسبت الوقت لأجل المضي قدمًا في استئناف برنامجها النووي، مع الخنوع في آخر المطاف لمطالب الوكالة الدولية للطاقة الذرية، من خلال فتح منشآتها النووية للتفتيش وفق شروط تعجيزية تخالف بنود الاتفاق النووي، وفق وجهة النظر الأمريكية.
وفي المعلومات، فقد استغرق التحضير للعملية العسكرية الإسرائيلية بضع سنوات، بحسب التقديرات، واستُخدمت التجارة كغطاء لتهريب الذخائر والمعدات إلى داخل إيران، وقد تمت على الأغلب دون علم الشركات التي نُقلت عبرها الشحنات.
ونقلًا عن مصادر استخباراتية وعسكرية إسرائيلية، فقد كشفت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية أن جهاز “الموساد” الإسرائيلي نفذ، على مدى الأشهر الأخيرة، ما وصفه المصدر بـ”عملية سرية معقدة” داخل الأراضي الإيرانية، أدت إلى تهريب ذخائر وقطع غيار لطائرات مسيّرة، ومعدات دقيقة التوجيه، تم تمريرها عبر حقائب سفر وحاويات شحن وشاحنات، تحضيرًا للهجوم الذي بدأت القوات الإسرائيلية بتنفيذه يوم الجمعة 13 حزيران (يونيو).
حيث وصفت المتحدثة باسم الجيش الإسرائيلي “إيفي ديفرين” العملية ضد المنشآت، التي طالت كبار القادة الإيرانيين، بأنها: “أعمق عملية ننفذها داخل إيران”، وأضافت: “لقد خلقنا مساحة جوية حرة للتحرك”، وفقًا لتصريحات أدلت بها للصحيفة الأمريكية.
وثقت الحكومة الإسرائيلية لحظات من تنفيذ العملية داخل إيران، يظهر خلالها انتشار أنظمة هجومية يقال إنها ساهمت في “تقليص فعالية الرد الإيراني”. كما تم إنشاء قاعدة سرية للطائرات المسيّرة قرب العاصمة الإيرانية طهران، وأُعدّت فرق من الكوماندوز التابعة للموساد الإسرائيلي للدخول إلى إيران بعد تلقيهم تدريبات في دولة ثالثة، ليتمركزوا بعد ذلك في مواقع استراتيجية قبل البدء بتنفيذ الهجمات فور انطلاق الضربات الجوية فجر الجمعة 13 حزيران (يونيو).
وتمكنت فرق صغيرة من عملاء الموساد، متمركزة قرب مواقع استراتيجية داخل إيران، من تنفيذ عمليات دقيقة أسفرت عن تدمير عدد من أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية، بما في ذلك منصات إطلاق صواريخ مضادة للطائرات. وتؤكد المصادر أن الموساد “استغل نقطة ضعف لوجستية في الترسانة الإيرانية”، إذ أن عدد منصات إطلاق الصواريخ أكبر بكثير من وسائل نقلها، حيث شنت فرق الموساد ضربات دقيقة استهدفت هذه المنصات أثناء نقلها على الشاحنات، أو خلال إعدادها للإطلاق.
«الموساد» أقام «فرعًا» له في طهران، فجمع معلومات عن قادة «الحرس الثوري» والجيش وعلماء الذرة، وزرع أجهزة عدة في عشرات المواقع، ونفّذ عملية تفجير في قواعد إطلاق الصواريخ وبالقرب من المنشآت النووية.
نتائج الضربات الأولية تدل على أنها تعتمد أيضًا على معلومات ووقائع، وبدا وكأن نشاط «الموساد» على الأراضي الإيرانية قديم، واكتسب زخمًا خاصًا قبل سنتين، عندما بدأ التحضير لهذه الحرب، كاشفًا أن «الموساد» أقام عمليًا قاعدة له «فرع الموساد في طهران»، وأنه ينتشر على مساحة شاسعة من الأرض في إيران، ويمتلك أجهزة متطورة وأسطولًا من وسائل النقل.
فقد بدأ «الموساد» عمليات اغتيال داخل إيران، شملت أربعة من العلماء النوويين:
• مسعود محمدي
• مجيد شهرياري
• داريوش رضائي نجاد
• مصطفى أحمدي روشن
وقد تمت تلك الاغتيالات في قلب طهران خلال عامي 2010 و2012، إذ اغتال ثلاثة منهم باستخدام قنابل مغناطيسية، في حين قُتل الرابع بإطلاق الرصاص أمام منزله.
وفي نوفمبر 2020، قامت خلية للموساد باغتيال العالم محسن فخري زادة، الذي يُعدّ رئيس المشروع النووي، وذلك عندما كان متجهًا إلى عطلة مع زوجته.
لكن الضربة الكبرى التي وجّهها «الموساد» إلى إيران كانت في سنة 2018، عندما سرق الأرشيف النووي من قلب طهران، وتضمن 50 ألف وثيقة، و163 قرصًا مدمجًا جرى نقلها بشاحنات. وفي سنة 2021، كشف يوسي كوهين، الذي أمر بتنفيذ العملية عندما كان رئيسًا لـ«الموساد»، معلومات صادمة، فأوضح أن فريقًا من 20 عنصرًا، ليس بينهم أي مواطن إسرائيلي، عمل على الأراضي الإيرانية طيلة سنتين، حتى تمكّن من معرفة مكان الأرشيف وما يحتويه، واستطاع سرقته من المخازن السرية في طهران، في عملية استغرقت 7 ساعات دون أن يُكتشفوا. وقال إن العملية، التي أُديرت من تل أبيب، نُفّذت بعد أن قام الفريق بتعطيل أجهزة الإنذار، وإزالة أبواب المستودع، وفتح 32 خزانة تحتوي على المواد. ولكي لا يلفت تحرك الشاحنة الأنظار، استأجر الفريق عشر شاحنات في جميع أنحاء منطقة طهران.
إذًا، إيران تعاني من ضعف أمني وثغرات تمكّنت من خلالها إسرائيل من التواجد بالقرب من أهم المنشآت النووية ووحدات الدفاع الجوي، دون أن تتمكن المخابرات الإيرانية من التعرف عليها.