إلى متى سيستمر ترنح العراق؟

بقلم: الدكتور خليل المفتي

يقول المثل الشعبي “الحيط الواطي كل الناس بتنط عليه”، والبلد السائب يكون عرضة لتدخل الجميع في سيادته. هذه الأوضاع تنطبق على العراق الذي دخل، منذ سقوط نظام الرئيس السابق صدام حسين، في مرحلة من انعدام التوازن والترنح الذي أفقد العراق مكانته، ليس على الصعيد السياسي وحسب، وإنما على المستوى الاجتماعي وكذلك الاقتصادي. ولعل أكثر السلطات التي أصابها الترنح هو القضاء العراقي في ظل تفشي الفساد في أروقته كما في أروقة سياسته، وذلك مع تعاظم نفوذ إيران في العراق المترنح.

نتيجة لهذا النفوذ المتضخم، تحول القضاء في العراق إلى بيدق بيد إيران تحركه كما تشتهي. هذا الأمر دفع السيناتور الجمهوري عن ولاية فلوريدا، مايك والتز، عضو لجنتي القوات المسلحة والشؤون الخارجية في مجلس النواب، إلى تقديم تعديل على “مشروع قانون الأصول الأجنبية”، الذي من شأنه أن يطال رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان، خصوصاً وأنه يُنظر إلى زيدان على أنه من بين الشخصيات التي تعمل وتقدم خدمات لصالح المصالح الإيرانية في العراق.

المشروع الجديد المقترح يقول متابعون إنه سيكون باباً يسمح بمعاقبة مسؤولين كبار في التركيبة العراقية بتهمة “الولاء” وخدمة المصالح الإيرانية في العراق. هذا ما أثار حفيظة وغضب الجماعات والشخصيات والأحزاب المؤتلفة ضمن “الإطار التنسيقي” الحاكم في العراق، والذي يضم أغلب القوى الشيعية ماعدا مقتدى الصدر وتياره.

تكشف تقارير ومصادر عراقية أن رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان من بين “القوى والشخصيات الرائدة التي عملت وتعمل على تعزيز مصالح طهران في بغداد، ومساعدة القوى المسلحة المدعومة من إيران للحصول على موطئ قدم في العراق”.

في هذا الشأن، أفاد تقرير لصحيفة “بيكون فري” الأميركية بأن الحكم الذي أصدرته المحكمة الاتحادية في شباط (فبراير) 2022، وفسّرت بمقتضاه النصاب القانوني المطلوب لعدد أعضاء مجلس النواب الحاضرين خلال جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، منح قوى “الإطار التنسيقي” التي خسرت الانتخابات والأغلبية البرلمانية تعطيل جلسة البرلمان، وبالتالي الالتفاف على نتائج الانتخابات، وإرغام الكتلة الصدرية الفائزة بأكبر عدد من المقاعد على الانسحاب من البرلمان، وإفساح المجال أمام قوى الإطاريين بتشكيل الحكومة الحالية برئاسة محمد شياع السوداني.

هذا ما دفع بالمشرعين الأميركيين إلى اتهام فائق زيدان بالهيمنة عليها وإرغامها على إصدار أحكام لصالح القوى الحليفة لإيران. ويقول هؤلاء إن مجلسه «وقف وراء الحكم المطعون فيه الصادر في شباط (فبراير) 2022، وقد منع هذا القرار بصورة فاعلة العناصر العراقية المناهضة لإيران من تشكيل حكومة أكثر ودية للولايات المتحدة، وذلك على الرغم من أن المحكمة الاتحادية هيئة مستقلة ومنفصلة عن مجلس القضاء، الذي يشرف على الأمور الإدارية للمحاكم فقط.

رأت مصادر قانونية أن إصدار مشروع القانون الأميركي الجديد وتنفيذه «سيؤدي إلى منع السلطات الأميركية المختلفة من التعامل مع رئيس مجلس القضاء فائق زيدان وعموم السلطة القضائية. وأضافت المصادر أن عدم التعامل يعني “رفض تنفيذ القرارات القضائية في الخارج (سواء تعلّقت بملاحقة الإرهابيين أو الفاسدين)، وعدم الاعتراف بأوامر القبض والنشرات الحمراء التي تطلب المحاكم العراقية من الإنتربول تنفيذها أو تعميمها، وكذلك رفض التعاون القضائي الدولي مع العراق ومحاكمه”.

هذا في وقت اعتبر رئيس مجلس النواب بالنيابة، محسن المندلاوي، أن “تقديم عضو الكونغرس الجمهوري مايك والتز مشروع تعديل قانون وتضمينه بنداً يمسّ رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان سابقة خطيرة”.

هذا يدفعنا إلى التساؤل: ما هي السابقة الخطيرة؟ هل أن يبقى القضاء العراقي تحت الوصاية الإيرانية وينخره الفساد؟ أم يساهم أصدقاء الشعب العراقي في تصحيح مسار القضاء؟ انطلاقاً من فكرة “إن كان القضاء بخير تكون الدولة بخير”، وهذا ينطبق على كل الدول. وعلى من يعترض على التدخل في الشأن العراقي، عليهم المساهمة من أجل رفع حائط العراق وألا يبقى بلد سائب، وتحسين مؤسساته قبل إلقاء فشلهم على الآخرين. بذلك، ينتهي ترنح العراق الذي سيبقى مترنحاً إن لم يكن هناك موقف واضح وصريح من كل القوى.

Related Posts