بقلم د. عبد العزيز طارقجي
يسجل للإمارات أنها كرست نهجاً إنسانياً يدرس، فهي أصبحت النموذج العالمي للعمل الإنساني، ناهيكم عن دورها الدبلوماسي في إيجاد الحلول للقضايا الشائكة، والتوسط من أجل حل الخلافات بين الدول، وذلك نتيجة أنها الدولة التي تتمتع بالمصداقية من قبل دول العالم.
وإن كنت لن أخوض في تفاصيل دور وتأثير الإمارات على المستوى السياسي، إلا أنني سأتناول دورها الإنساني الذي أضحى عالمياً، فهي التي تغيث المنكوبين وتقدم كافة أنواع الدعم للشعوب التي تشهد بلدانها حروباً.
وهذا الأمر تجلى مجدداً منذ 7 أكتوبر 2023 واندلاع الحرب في قطاع غزة، فتصدت الإمارات منذ الأيام الأولى من أجل إيجاد حل سلمي واستعادة الشعب الفلسطيني لحقوقه وقيام دولته وفق حدود الرابع من حزيران 1967.
وانبرت الإمارات لطرح مبادرة في مجلس الأمن أثناء توليها لمقعدها فيه ممثلة للمجموعة العربية. وكان ما يشغل الدبلوماسية الإماراتية التوصل إلى وقف إطلاق نار في قطاع غزة يؤسس للحل الدائم، وذلك بالتوازي مع سعيها لوضع حد للكارثة الإنسانية التي يعيشها أهالي قطاع غزة.
فكانت المبادرة الإماراتية “الفارس الشهم3” لإغاثة أهل غزة بتوجيه من رئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.
وسجلت المبادرة الإماراتية حضوراً مؤثراً جعلها محط تقدير الدول الكبرى.
وفي هذا الإطار أتت إشادة الولايات المتحدة بذلك الدور الإماراتي في قطاع غزة، إضافة إلى دعمها الإنساني اللامحدود لأهالي غزة، وهذا الأمر كشفته وترجمته الأرقام والإحصاءات الصادرة عن المنظمات الدولية.
ففي اتصال أجراه أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأميركية مع نظيره الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، أجرى مناقشة الجهود الدبلوماسية الجارية للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة، والذي سيتضمن إطلاق سراح الرهائن، إضافة إلى زيادة المساعدات الإنسانية واستدامتها، والعمل على تحسين وصول المساعدات الإنسانية إلى جميع مناطق قطاع غزة.
وخلال الاتصال أعرب الوزير بلينكن عن شكره وشكر الولايات المتحدة للإمارات على دعمها الإنساني اللامحدود لأهالي غزة، كما ناقشا الأهداف المشتركة بين الولايات المتحدة والإمارات من أجل تعزيز الاستقرار الإقليمي، بما في ذلك الجهود المبذولة لتهدئة التوترات بين إسرائيل وحزب الله، إضافة إلى إنهاء الصراع في السودان.
من جانبه أكد الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان على دعم الإمارات للمساعي التي تقوم بها واشنطن وذلك بالتعاون مع الأطراف الفاعلة في المجتمع الدولي للتوصل إلى وقف مستدام لإطلاق النار بما يسهم في حماية أرواح كافة المدنيين، وشدد الشيخ عبد الله بن زايد على أهمية إنهاء التوتر والتطرف والعنف المتصاعد في المنطقة والسعي من أجل إيجاد أفق سياسي جاد لإعادة المفاوضات بهدف تحقيق السلام الشامل القائم على أساس حل الدولتين.
وبالعودة إلى الدور الإنساني للإمارات في قطاع غزة فقد نجحت في وضع بصمتها الإنسانية المتميزة في قطاع غزة، حيث قدمت على مدار أشهر الحرب الإمدادات الإغاثية العاجلة لدعم الشعب الفلسطيني في محنتهم التي تسببت بها المغامرة الحمساوية الإخوانية. وفي الأرقام، نقلت الإمارات ضمن مبادرة “الفارس الشهم3” 33,100 طن من الإمدادات العاجلة إلى قطاع غزة عبر 1,243 شاحنة، وقامت بتسيير 329 رحلة جوية من ضمنها 50 عملية إسقاط جوي.
كما عملت الإمارات بالتعاون مع الوكالة الأميركية للتنمية الدولية والولايات المتحدة وجمهورية قبرص والأمم المتحدة وعدد من الجهات الدولية المانحة على إيصال 2,176 طناً من الإمدادات الغذائية بحراً إلى قطاع غزة. كما قامت الإمارات وفي سابقة تاريخية بإيصال 300 طن من المساعدات الغذائية إلى قطاع غزة عن طريق البحر، وذلك بالتعاون مع مؤسسة المطبخ المركزي العالمي. وأعلنت الإمارات أنها بالشراكة مع الوكالة الأميركية لمساعدة اللاجئين في الشرق الأدنى (أنيرا) عن إيصال 400 طن من الإمدادات الغذائية المخصصة لشمال القطاع.
هذا وخصصت الإمارات 15 مليون دولار أميركي دعماً لـ”صندوق أمالثيا” الذي أعلنت عنه قبرص بهدف دعم مبادرة الممر البحري بين قبرص وقطاع غزة، ورفع مستوى تدفق المساعدات الإنسانية، إضافة إلى توفير طرق وأدوات تمويل مرنة لتعزيز الاستجابة لاحتياجات أهالي قطاع غزة.
والجدير بالذكر أن الإمارات قامت بإنشاء 6 محطات لتحلية المياه تنتج مليوناً و600 ألف غالون يومياً يجري ضخها إلى القطاع، ويستفيد منها أكثر من 600 ألف نسمة. كما أرسلت 5 مخابز أوتوماتيكية لتأمين الاحتياجات اليومية لأكثر من 17,140 شخصاً.
ونخلص إلى القول إن الإمارات التي لم تتوان عن بذل مساعيها في إيجاد حل نهائي للحرب الدائرة في غزة وبالتالي التوصل إلى اتفاق وقف دائم لإطلاق النار في قطاع غزة، تستمر في تسطير الملامح الإنسانية عبر الدعم الذي لا ينضب لكل إنسان يحتاج إلى الدعم والإغاثة، فهي تفوقت إنسانياً مجدداً.