القمة العالمية للحكومات: استشراف المستقبل برؤية إماراتية

بقلم: ماريا معلوف

في إطار ترسيخ رؤية الإمارات وقيادتها لمستقبل الحكومات، وتعزيز نهجها الثابت في دعم وتمكين الشراكات الدولية الفاعلة، إضافة إلى تبادل الخبرات والتجارب الرائدة بين حكومات العالم لابتكار نماذج عمل جديدة، جاءت القمة العالمية للحكومات في نسختها الثانية عشرة لتؤكد مكانتها كمنصة عالمية لصياغة مستقبل العمل الحكومي.

أكد وزير شؤون مجلس الوزراء، رئيس القمة العالمية للحكومات، محمد بن عبد الله القرقاوي، أن القمة تُترجم عمليًا رؤى وتوجيهات رئيس الإمارات، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ونائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، لتمكين العمل الحكومي في الإمارات والعالم من قيادة التغيير وإحداث الفارق في حياة الشعوب، بما يضمن لها الازدهار والعبور الآمن إلى مستقبل أفضل.

أسهمت القمة الثانية عشرة في صياغة العديد من الاستراتيجيات والسياسات والرؤى الحكومية، حيث شدد القرقاوي على أن التحدي الحقيقي، الذي تحرص القمة على استمراره محفزًا للعقل والخيال البشري، يكمن في استباق التحديات بحلول ناجحة وتحويلها إلى فرص لتعزيز النمو العالمي في مختلف المجالات، والتطلع نحو مستقبل أكثر إشراقًا للأجيال القادمة.

تميزت هذه الدورة بتنوع غير مسبوق في تمثيل الحكومات المشاركة، حيث جمعت حكومات من جميع قارات العالم، إضافة إلى مشاركة واسعة من القطاع الخاص. استقطبت القمة أكثر من 6000 مشارك، و80 منظمة دولية وعالمية، وتحدث فيها أكثر من 300 شخصية بارزة من رؤساء ووزراء وخبراء ومفكرين وصناع قرار. كما شهدت انعقاد 21 منتدى عالميًا بحثَ التوجهات والتحولات المستقبلية الكبرى، من خلال أكثر من 200 جلسة تفاعلية، إضافة إلى عقد أكثر من 30 طاولة مستديرة واجتماعًا وزاريًا، بمشاركة أكثر من 400 وزير. وصدر عن القمة 30 تقريرًا استراتيجيًا بالتعاون مع شركاء المعرفة الدوليين، استمرارًا لنهجها في تطوير العمل الحكومي والتخطيط الاستراتيجي للمستقبل.

أكد محمد القرقاوي، في كلمته، أن العالم يمر بمرحلة مفصلية غير مسبوقة بعد 25 عامًا من التحولات الكبرى، مشددًا على أن القرارات التي اتُّخذت في القمة ستحدد شكل المستقبل خلال العقود المقبلة. وأوضح أن الاقتصاد العالمي شهد خلال العقود الماضية تحولات جذرية، حيث انتقل من هيمنة القطاعات التقليدية، مثل النفط والصناعات الثقيلة، إلى سيطرة التكنولوجيا والمنصات الرقمية، مما أعاد رسم موازين القوى الاقتصادية عالميًا.

وأشار القرقاوي إلى أن العالم في عام 2025 أكثر ترابطًا من أي وقت مضى، إذ تعتمد الاقتصادات بشكل متزايد على الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة، بينما تُستخدم الروبوتات والأنظمة الذكية على نطاق واسع في مختلف القطاعات، من الرعاية الصحية إلى الصناعة والخدمات. في الوقت ذاته، تشهد الأسواق العالمية صعودًا متسارعًا للاقتصادات الناشئة، مثل الصين والهند، في حين تواجه الاقتصادات التقليدية تحديات في التكيف مع العصر الجديد، خصوصًا مع التحولات العميقة في المشهد الجيوسياسي، حيث انتقلت النزاعات من ساحات القتال التقليدية إلى الفضاء السيبراني والحروب الاقتصادية. وأكد القرقاوي أن على الحكومات الاستعداد لهذه التغيرات عبر وضع سياسات استباقية تتماشى مع التحولات العالمية.

في سياق متصل، أشار رئيس مجلس الأمناء للمنتدى الاقتصادي العالمي، البروفيسور كلاوس شواب، إلى أن العالم يشهد تحولًا جذريًا من عصر الثورة الصناعية إلى “العصر الذكي”، وهو تحول أكثر سرعة وتأثيرًا من أي انتقال اقتصادي سابق في التاريخ البشري.

وأوضح شواب أن المعرفة والبيانات أصبحت الركيزة الأساسية للاقتصاد العالمي بدلًا من المنتجات التقليدية، مما يعيد تعريف آليات الإنتاج والاستهلاك، ويضع الحكومات أمام تحديات غير مسبوقة تتطلب إعادة هيكلة استراتيجياتها لمواكبة هذا التحول العميق.

شهدت القمة إعلان الإمارات وجامعة الدول العربية عن تمديد الشراكة الاستراتيجية بينهما لتنظيم “جائزة التميز الحكومي العربي” لأربع سنوات إضافية، في خطوة تهدف إلى تعزيز مفاهيم الجودة والتميز في الأداء الحكومي على مستوى العالم العربي، مما يسهم في تطوير العمل الحكومي ورفع كفاءته.

كشف تقرير صادر عن “مركز إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية” في أبوظبي أن القمة العالمية للحكومات لعام 2025 قدمت أكثر من 10 فوائد اقتصادية للاقتصاد الإماراتي. ومن أبرز هذه الفوائد تعزيز مكانة الإمارات على الساحة العالمية، وترسيخ دورها في تشكيل مستقبل الاقتصاد العالمي.

كما ساهمت القمة في تنويع الاقتصاد المحلي، إذ أثبتت الإمارات تفوقها في التنويع الاقتصادي، مما جعلها أكثر الاقتصادات تنوعًا في منطقة الشرق الأوسط. بالإضافة إلى ذلك، دعمت القمة نمو العديد من القطاعات، أبرزها: الطيران، والإشغال الفندقي، والسياحة، والتسوق، وغيرها من القطاعات الحيوية.

وعلى صعيد التعاون الدولي، شهدت القمة توقيع ثلاث اتفاقيات تعاون لدعم التنمية المستدامة في آسيا وأفريقيا، مما يفتح آفاقًا جديدة للتعاون الاقتصادي، فضلًا عن إنجاز نحو 199 اتفاقية ثنائية، وإصدار 179 تقريرًا يعكس رؤى استراتيجية متعددة.

من خلال القمة وقوتها الناعمة، جمعت الإمارات العالم على منصة واحدة لطرح الأفكار والمشاريع التنموية والاستثمارية، مما يعزز دورها الريادي في استشراف المستقبل وصياغة ملامح النظام العالمي الجديد.

تؤكد القمة العالمية للحكومات، في نسختها الثانية عشرة، مكانتها كمنصة محورية لاستشراف مستقبل العمل الحكومي، وتعزيز الشراكات العالمية، وابتكار حلول للتحديات المستقبلية. ومن خلال استضافتها لهذه القمة، تواصل الإمارات ترسيخ موقعها كمركز عالمي للتفكير الاستراتيجي وصناعة القرار، بما يسهم في بناء مستقبل أكثر ازدهارًا للبشرية جمعاء.

Related Posts