بقلم : الدكتورة شيماء العماري
يشهد العالم مؤخراً منعطفًا خطيرًا وغير مسبوق في انتهاكات القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني. وما يحدث في قطاع غزة من انتهاكات للكرامة الإنسانية والأعراف والقيم الأخلاقية والإنسانية يعكس هذا التدهور. ومن آخر تلك الانتهاكات كان القصف الأليم الذي تعرض له مركز المطبخ العالمي الذي يعمل على توفير الغذاء لأهالي غزة. وهذا الانهيار المروع للقيم الإنسانية، لا يأدي إلاّ إلى تصاعد التطرف بشكل خطير وعلى عدة مستويات.
وفي هذا السياق ، قال مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، إن احترام القيم الإنسانية قد انهار في الحرب التي تشهدها الأرض الفلسطينية المحتلة وإسرائيل، وشدد على أن الرابح الوحيد في مثل هذه الحرب “هو التطرف ومزيد من التطرف”.
فالإنتهاكات الأخرى للقانون الإنساني الدولي التي ترتكب بوميا، تكاد لا تقل خطورة عن انتهاكات الحرب في غزة الجريحة وهي الانتهاكات التي يشهدها اليمن العزيز، الذي كان يوماً ما سعيداً، في ظل ارتكاب ميليشيات الحوثي لجرائم يندى لها جبين الإنسانية، خصوصاً وانها ترتكب في ظل هدنة معلنة في اليمن، ولكن الحوثي الذي لا يفي بالعهود الا لمشغليه يستغل انشغال العالم على ماساة غزة كي يمعن في ارتكاب جرائمه بحق الشعب اليمني، الذي لم تكفيه حروب الحوثي الداخلية حتى أدخله في حرب مزعومة أخرى تحت ظل مساندة أهالي غزة، الذي لا سند حقيقي لهم، وتستغلهم الميليشيا والذراع الإيرانية فقط لسفك المزيد من الدماء.
وأدى التصعيد الحوثي الغير مسبوق في منطقة باب المندب والملاحة في البحر الأحمر إلى خسائر تتصاعد عربيا، وتقديرات ترى أن الاقتصاد العالمي أكثر تضررا من إسرائيل وكانت عواقبه وخيمة على المستويين الفردي والجيوسياسي
وتشير التقارير التي أصدرتها منظمات المجتمع المدني بالتعاون مع الرئاسة اليمنية إلى قيام ميليشيات الحوثي بأكثر من 24 ألف حالة انتهاك إنساني إضافة إلى خرق للهدنة في 18 محافظة يمنية. خلال الفترة من أبريل إلى ديسمبر 2023، وُثق في التقرير أكثر من 24,697 حالة انتهاك، منها 6557 حالة انتهاك لحقوق الإنسان و18,171 حالة خرق للهدنة الإنسانية. وقعت هذه الانتهاكات بتوقيع دموي من قبل الحوثيين، حيث تم التحقق بكافة الوسائل القانونية من قتل 1245 مدنيًا، بما في ذلك 250 طفلًا و68 امرأة و37 مسنًا و890 رجلًا. كما أصيب 2141 شخصًا آخرين نتيجة الاستهداف المباشر من قبل ميليشيات الحوثي، سواء من خلال القصف العشوائي للمناطق المدنية بالأسلحة الثقيلة أو استخدام الطائرات المسيرة.
وأظهر التقرير وجود أكثر من 776 حالة اختطاف لمدني ، وأكثر من 126 حالة اختفاء قسري و 170 حالة تعذيب جسدي ونفسي، ولاننسى وفاة 28 معتقلاً جراء التعذيب في سجون الحوثي ، إضافة الى وفاة 22 شخص نتيجة الإهمال الطبي في المعتقلات الحوثية.
تكشف الأرقام الصادمة التي أظهرها التقرير والممارسات العدوانية اليومية التي تقوم بها ميليشيات الحوثي في باب المندب والبحر الأحمر أن خطرها تجاوز حدود اليمن وشعبه، وأصبح يشكل تهديدًا على الأمن والسلم الدولي.
لذا، من أجل كبح جماح الجنون الحوثي في المياه الدولية، يجب أن يُحاسب على انتهاكاته ضد الشعب اليمني. لا يمكننا التغاضي عن انتهاكات الحوثيين التي ترقى لتصبح جرائم حرب،. وعلى المجتمع الدولي أن يتخذ إجراءات فورية لضمان تطبيق القانون وتحقيق السلام ، لأن استمرار الإفلات من العقاب لن يؤدي إلا إلى تفاقم أزمات العنف والظلم في جميع أنحاء العالم.
و ليس لنا في النهاية سوى النداء إلى تطبيق القانون الدولي، الذي أصبح مغتصبًا علنًا أمام أعين وآذان المجتمع الدولي، وأمام عجز الأمم المتحدة عن تحقيق السلام في دول عديدة مثل فلسطين واليمن والسودان وسوريا وأوكرانيا وغيرها
فمتى سيطبق القانون ويحل السلام ؟
أم ان مبدأ العين بالعين قد جعل العالم فعلأ أعمى؟