الإمارات والهند: شراكة ترسم المستقبل

ضمن الاستراتيجية الإماراتية لتنويع الاستثمارات ومصادر الاقتصاد، لا سيما تلك التي لا تعتمد على النفط، قامت الإمارات بعقد شراكات اقتصادية مع القوى الاقتصادية الصاعدة والقوية على حد سواء. في هذا الإطار، جاءت اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين الإمارات والهند، التي شكّلت محطة تاريخية هامة في مسار تنامي العلاقات بين نيودلهي وأبوظبي. الجدير بالذكر أن تلك الاتفاقية كانت الأولى من نوعها التي تبرمها الإمارات ضمن برنامج الاتفاقيات الاقتصادية العالمية، الذي أُعلن عنه في سبتمبر 2021. يهدف هذا البرنامج، وفق الرؤية الإماراتية، إلى توسيع وتعزيز شبكة الشركاء التجاريين والاستثماريين للإمارات من خلال تأصيل وتوطيد العلاقات مع الدول ذات الأهمية الاستراتيجية على مستوى العالم.

دخلت الاتفاقية حيز التنفيذ في مايو 2022، وبدأت الشركات في الإمارات والهند الاستفادة من تخفيض أو إلغاء الرسوم الجمركية على ما يفوق 80% من المنتجات، إضافة إلى إزالة الحواجز غير الضرورية أمام التجارة، ناهيكم عن مواءمة القوانين والعمليات الجمركية.

في إطار تعزيز هذه الشراكة الاستراتيجية، عُقد ملتقى الأعمال الإماراتي الهندي في مومباي، بتنظيم من وزارة الاقتصاد الإماراتية وسفارة الإمارات في نيودلهي، وبالتعاون مع وزارة التجارة والصناعة في الهند، تحت شعار “ما بعد اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة: الابتكار والاقتصادات الجاهزة للمستقبل”.

شارك في الملتقى عدد من كبار المسؤولين من القطاعين الحكومي والخاص، وممثلي كبرى الشركات ومجتمع الأعمال في كل من الإمارات والهند. جرى البحث في سبل تحقيق الاستفادة الكاملة من اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة من خلال تأسيس المزيد من الشراكات بين مجتمعي الأعمال في القطاعات ذات الأولوية في البلدين.

استعرض المشاركون في الملتقى مجموعة من القطاعات ذات الاهتمام المشترك، مع التركيز على الرعاية الصحية، التكنولوجيا البيولوجية، الطاقة المتجددة، الاستدامة، الذكاء الاصطناعي، الخدمات اللوجستية، وسلاسل التوريد والتكنولوجيا الزراعية.

من جانبه، قال الدكتور ثاني بن أحمد الزيودي، وزير الدولة الإماراتي للتجارة الخارجية، إن ملتقى الأعمال الإماراتي الهندي يمثل منصة مهمة لقادة مجتمع الأعمال في الجانبين للالتقاء والتشاور واستكشاف الفرص التي تحقق المصالح المتبادلة، وتطوير شراكات تدعم أهداف النمو والتنويع الاقتصادي. كما أشار إلى أن التجارة البينية غير النفطية شهدت نموًا مطردًا، حيث بلغت 28.2 مليار دولار خلال النصف الأول من 2024، بزيادة 9.8% عن الفترة نفسها من 2023، رغم التباطؤ الناتج عن التطورات الجيوسياسية التي أثرت على نمو حركة التجارة حول العالم.

شهدت جلسات الملتقى إلقاء الضوء على الفرص المتاحة للاستثمار والتعاون في مجال الرعاية الصحية والتكنولوجيا البيولوجية، وتحديدًا في مجالات الطب الجينومي، والرعاية الصحية المبنية على الذكاء الاصطناعي، والصحة الرقمية، والأبحاث الدوائية. كما نوقشت مواضيع الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الناشئة في جلسة متخصصة تناولت سبل تطوير تلك الأدوات.

كون الإمارات ذات بصمة عالمية في مجال الطاقة المتجددة والنظيفة، عُقدت جلسة بعنوان “الطاقة المتجددة والاستدامة: ريادة الثورة الخضراء”، تناولت الجهود الرائدة التي تبذلها الإمارات لتقديم حلول طاقة الرياح والطاقة الشمسية والطاقة الحرارية الأرضية في أنحاء العالم، لا سيما في الدول النامية.

ناقشت جلسات الملتقى أيضًا الفرص المتاحة في مجالات الخدمات اللوجستية، التكنولوجيا الزراعية، والممارسات الزراعية المستدامة.

الجدير بالذكر أن الملتقى عُقد في الوقت الذي بحث فيه ولي عهد أبوظبي، الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان، مع رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، العلاقات الاستراتيجية بين الإمارات والهند وسبل تعزيزها وتطويرها بما يخدم المصالح المشتركة. تم خلال المحادثات الرسمية بين الطرفين الإعلان عن عدد من الاتفاقيات الاستراتيجية ضمن إطار اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين البلدين. وقّعت شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) اتفاقية مدتها 15 سنة لتوريد الغاز الطبيعي المسال مع “مؤسسة النفط الهندية المحدودة”، حيث تقوم “أدنوك” بموجبها بتوريد مليون طن متري سنويًا من الغاز الطبيعي المسال من مشروع الرويس للغاز الطبيعي المسال منخفض الانبعاثات التابع لها. كما وقّعت “أدنوك” اتفاقية مع “شركة الاحتياطيات البترولية الاستراتيجية الهندية المحدودة” لتمديد اتفاقية “تخزين وإدارة النفط” الحالية، مما يساهم في دعم أمن الطاقة في الهند. كما أبرمت شركة “القابضة” مذكرة تفاهم مع وزارة الصناعات الغذائية في الهند لإنشاء مجمع للصناعة الغذائية والزراعية في ولاية غوجارات الهندية، باستخدام أحدث الوسائل التكنولوجية المتطورة والمبتكرة في قطاع الصناعة الغذائية. في حين وقّعت “مؤسسة الإمارات للطاقة النووية” اتفاقية شراكة استراتيجية مع “شركة الطاقة النووية الهندية”، لدعم جهود تبادل الخبرات والمعارف في جميع مجالات تطوير حلول الطاقة النووية.

بناءً على زيارة الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان وما تم فيها من توقيع اتفاقيات، بالإضافة إلى أعمال ملتقى رجال الأعمال الإماراتي الهندي، تكون الإمارات والهند قد خطتا خطوات واسعة نحو رسم المستقبل، بما يساهم في تشكيل النظام الاقتصادي العالمي.

Related Posts