بقلم الدكتورة شيماء العماري
تعاني تونس منذ سنوات من تحديات جسيمة تتمثل في تدهور الوضع الاقتصادي ، إضافة إلى تدهور الوضع الاجتماعي وغلاء الأسعار ومشاكل الصحة والتعليم والبطالة والتنمية والهجرة وغيرها. ورغم الوضع الاقتصادي الصعب والوضعية الهشة ، تشهد البلاد مؤخراً أزمة سياسية ، أدت إلى سلسلة من الاعتقالات وطالت سياسيين ورجال أعمال ومحامين وإعلاميين وحقوقيين ونشطاء وغيرهم ، معظمهم -حتى لا نقول كلهم- من الشخصيات المعارضة للنظام الحالي، وتلاحق هؤلاء المعارضين اليوم مثل عبير موسي وجوهر بن مبارك وكمال اللطيف وبشرى بالحاج حميدة ولمياء الجندوبي وعصام الشابي ونور الدين البحيري وخيام التركي وغيرهم من اكثر من 40 متهماً بتهم ” تتعلق بالإرهاب ” و”ارتكاب فعل موحش في حق رئيس الجمهورية ” و”الانضمام إلى وفاق إرهابي، وعدم الإشعار بجرائم إرهابية والتآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي” وتهم “تخابر” و”تبييض أموال” وغيرها من القضايا التي قد تصل عقوبتها إلى الإعدام. في الحقيقة ، لكل من المعتقلين احزاب وتوجهات سياسية مختلفة، حيث فرقتهم السياسة وجمعتهم السجون.
وفي سابقة تاريخية، اقتحمت قوات الأمن بطريقة عنيفة دار المحامين، و قام جملة من الملثمين المسلحين، باعتقال المحامية والإعلامية سنية الدهماني والمصوّر الصحفي حمدي التليلي، مصور قناة France 24 الذي تم الإفراج عنه لاحقاً ومن ثم جلب إعلاميين في نفس البرنامج الإذاعي برهان بسيس ومراد الزغيدي.
مما دعا محامي تونس إلى الدخول في إضراب بداية من يوم الاثنين، بعد استنكارهم للطريقة التي تم بها اقتحام مقر دار المحامين، أين كانوا يعتصمون لمساندة عميد المحامين السابق شوقي الطبيب بعد دخوله في إضراب جوع بعنوان “الجوع ولا الخنوع” والإعلامية سنية الدهماني على اثر الجريمة النكراء التي ارتكبتها عندما علقت حرفيا “شو هاك البلاد الهائلة”، لتصدر في حقها بطاقة جلب في أقل من 24 ساعة ، حتى يتأكد العالم أن تونس بلد “هائل” بالفعل ومن يقول غير ذلك فمكانه السجن.
وفي إطار احتفال العالم هذا الأسبوع باليوم العالمي لحرية الصحافة ، يحتفل الصحافيون في تونس ، اما في السجون أو في أروقة المحاكم أو وراء أبواق التملق والتذلل والتودد.
اما الصحفي محمد بوغلاب فهو يقبع حاليا في السجون على اثر انتقاده للجلالة المتمثلة في شخص الوزير، كذلك الصحافي زياد الهاني الذي تمت هرسلته حتى غاب عن المشهد ، والحكم الصادر بسجن الناشطة شيماء عيسى وإيقاف رئيسة جمعية “منامتي” سعدية مصباح ورئيسة جمعية “تونس ارض اللجوء” شريفة الرياحي وغيرهم من المهتمين بالرأي العام.. و هذا إن دل على شيء فيدل على موقف ضعيف ومهتز لأصحاب القرار اليوم الذين تخيفهم الأصوات الناقدة وتزعزعهم الآراء المختلفة .
و مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية القادمة، تنطلق صرخة فزع من وطن الحرية والعدالة، وتتزايد المخاوف من إفراغ الساحة السياسية من أبرز رموزها ، خاصة بعد أن عرف المشهد السياسي التونسي نقاشا واسعا بعد عدم تحديد موعد نهائي لهذا الاستحقاق المهم بالنسبة للبلاد..
وهنا يطرح السؤال إلى اين تسير تونس ؟ الجواب : بين القمع والتهديد ، وبين الترهيب والتخويف ، امتلأت السجون وضاقت الأفق، ورحل المهاجرون وانتشر الظلم وساد الفقر وغاب العدل.
وفي النهاية، سيذكر التاريخ دائماً أن ابن خلدون قال يوماً : “إذا دخلت إفريقية (تونس)… فوافق أو نافق أو غادر البلاد!” أما اليوم، فإذا دخلتموها فوافقوا أو نافقوا أو ادخلوا السجون !! فحتماً ستصدر بطاقات الإيداع والمنع من السفر قبل مجرد التفكير في المغادرة