بقلم: ماريا معلوف
يمتزج شعور المرء بين الحزن والغضب على الحال الذي وصل إليه لبنان، الذي كان يوماً سويسرا الشرق ودرته، وحولته الطغمة الحاكمة، لاسيما في السنوات الثماني الماضية، إلى دولة فاشلة بامتياز. وتحولت تلك القطعة من السماء التي غناها وديع الصافي إلى جهنم بفضل تلك العصابة المدعومة من السلاح غير الشرعي المتمثل بحزب إيران في لبنان. وكنت حتى قبل خروجي من لبنان قد حذرت من سيطرة حزب الله على المرافئ اللبنانية، وتحديداً مرفأ بيروت ومطار الشهيد رفيق الحريري، حيث تحولا إلى معابر لكل أصناف الممنوعات لصالح تلك الميليشيا، ولكن لا حياة لمن تنادي. فلبنان أصبح بلاد اللا لا لاند، ومع توالي السنوات أحكم الحزب سيطرته على المطار، وهذا ما كشفه أخيراً تقرير نشرته صحيفة التلغراف البريطانية، مما أثار مجدداً الهواجس من أن يلقى المطار مصير مرفأ بيروت. كما أثار التساؤلات حول من المسيطر على أمن مطار رفيق الحريري الدولي، خصوصاً مع تنامي الأصوات المنددة بسيطرة حزب الله على مرافق ومرافئ الدولة اللبنانية الجوية والبحرية والبرية، وإدخاله عبر هذه المرافق ترسانته العسكرية.
وهذا ما استدعى وزير الأشغال العامة والنقل علي حمية لترتيب جولة للسفراء الأجانب في لبنان من أجل دحض ما جاء في التقرير البريطاني. وأعلن حمية أنه في طور إعداد دعوى قضائية بحق صحيفة التلغراف التي عمدت من خلال تقريرها إلى تشويه سمعة المطار، وكأن المطار سمعته ناصعة البياض. يا عمي، حزبك لوث صورة المطار والبلد، ويكفي ما يشاهده المسافر القادم إلى لبنان من صور لقاسم سليماني تارة وتارة لإبراهيم رئيسي. لو نحن في بلد يحترم نفسه لما سمح بذلك، ولكن ما الذي يمكن قوله؟ سلطة الأمر الواقع تفعل ما يبدو لها دون مراعاة باقي الشعب اللبناني.
ولكن ما علينا، لا الجولة الاستعراضية للوزير حمية ومن معه ستجيب عن التساؤلات حول الأمن في مطار رفيق الحريري الدولي، والذي يبدو أنه ليس على ما يرام، خصوصاً وأنه ليس من الأسرار الكونية أن حزب الله وعناصره ومؤيديه يحكمون سيطرتهم على أقسام المطار من سيارات الأجرة وصولاً إلى باقي المرافق داخل المطار. والجدير ذكره أنه لا يمكن تعيين أي مسؤول أمني أو مدني أو حتى موظف عادي في مطار رفيق الحريري الدولي من دون موافقة حزب الله عليه، هذا ناهيكم عن دخول شخصيات موالية لمحور الممانعة وإيران وتجولها على كافة الأراضي اللبنانية بتغطية مباشرة من حزب الله من دون أي حسيب أو رقيب. وليس خير دليل على تلك الاستباحة هو انعقاد عدد من المؤتمرات للحوثيين والمعارضة البحرانية. إضافة إلى ذلك، فإن هناك أعداداً كبيرة من الطائرات الإيرانية التي تأتي بصورة مباشرة من المدن الإيرانية، تحط على أرض المطار دون اتخاذ إجراءات اعتيادية بحقها أو حتى مراقبة حمولتها، ويأتيك أحدهم ليقول لك: “أين خرق السيادة في ذلك؟”
هذا ويسجل أن محطة “فوكس نيوز” الأميركية كانت قد كشفت في أواخر صيف 2018، عن استخدام الحرس الثوري الإيراني لمطار رفيق الحريري لتهريب أسلحة لـ”حزب الله” عبر شركة نقل إيرانية. وأتى تقرير التلغراف والجولة الاستعراضية عليه في ظل تنامي الحديث عن قرب اندلاع حرب موسعة بين حزب الله وإسرائيل، وكأن ما يعانيه لبنان من جبهة الإسناد لا يكفي. وفي هذا السياق يقول الكاتب طوني بولس في مقال تحت عنوان “هل تعيد إسرائيل استراتيجيتها مع لبنان إلى ما قبل 2000؟” أن هناك ثلاث سيناريوهات للحرب تشمل احتمال عملية برية إسرائيلية في جنوب لبنان لإعادة المنطقة العازلة، أو العمل على تدمير هيكلية حزب الله العسكرية، أو شن هجمات مكثفة تشل قدراته العسكرية، وأن لا أحد يستطيع أن يقدر متى تنفجر الحرب النفسية واللفظية بين “حزب الله” وإسرائيل إلى معارك ميدانية مدمرة، لا سيما أن الطرفين يبديان جهوزيتهما واستعدادهما للمواجهة والمنازلة الكبرى، تزامناً مع تسريبات بانهيار الحل الدبلوماسي الذي حمله موفد الرئيس الأميركي آموس هوكشتاين إلى الشرق الأوسط.
فهل سنكون أمام صيف ساخن عسكرياً يعيد لبنان عقوداً إلى الوراء، أم يبقى الوضع على ما هو عليه خصوصاً وأن هناك عدم رغبة في توسع الحرب رغم الجهوزية التي ذكرت؟ لننتظر ونرى، وحما الله لبنان وشعبه وخلصهم من تلك الميليشيا المجرمة.