بقلم : ماريا معلوف
بتوجيه من الملك الأردني عبد الله الثاني ،تحرك مجلس النواب برئيسه الجديد، أحمد الصفدي أخيراً ،بغرض الضغط على الحكومة للتعامل الجدي مع مطالب المحتجين عبر دعم المحروقات بشكل سريع بعد موجة احتجاجات وإضرابات للسائقين العموميين والنقل الداخلي منذ ايام في عدة مدن اردنية على ارتفاع أسعار المحروقات عدة مرّات خلال العامين الأخيرين مطالبين فيها الحكومة بمنحهم سعر تفضيلي للمحروقات والمشتقات النفطية، ويبلغ عدد الشاحنات في الأردن للنقل البري (21) ألف شاحنة بكافة الأنماط لنقل البضائع والحاويات.
يكمن السبب الرئيسي وراء اضرابات واحتجاجات السائقين في ارتفاع اسعار المحروقات وتراجع اداء قطاع النقل بشكل ملحوظ ، حيث ارتفعت مؤخرا أسعار المشتقات النفطية ليصل سعر لتر الديزل الى 895 فلسا اردنياً (1.26 دولار) في حين تترواح أسعار لتر البنزين بين 920 فلسا (1.29 دولار) و1170 فلسا (1.64 دولار). ومع ارتفاع وتيرة إضراب الشاحنات تتكدس الحاويات المحملة بالبضائع والمواد الأولية على أرصفة موانئ خليج العقبة الساحلي في جنوب الأردن كما شهدت عمليات المناولة ركودا في النقل؛ مما يهدد سلاسل الإمداد، خاصة الحبوب والاغذية المختلفة والنفط الخام المنقول بالصهاريج. ويلوح بالافق حل مرضي للمحتجين نتيجة ارتفاع اسعار المحروقات ، حيث أعلنت هيئة تنظيم النقل البري الأردنية أخيراً توصلها لاتفاقية مع نقابة أصحاب الشاحنات تقضي بتعديل أجور نقل البضائع، وذلك وفق لائحة استرشادية تصدرها الهيئة مماثلة للائحة أجور النقل المعمول بها والمعتمدة لدى وزارة الصناعة والتجارة، وتندرج الأجور الجديدة بعد موافقة وزير النقل عليها خلال اجتماع عُقد مع نقابة أصحاب الشاحنات بحضور وزيري النقل ماهر أبو السمن والداخلية مازن الفراية، وقد تضمن الاتفاق الأخير إضافة مبلغ 1.5 دينار (2.1 دولار) لكل طن على أجور نقل كل من الفوسفات والبوتاس والكبريت، ورفع سعر شحن الحاويات لتصبح 500 دينار (704 دولارات) بدلا من 448 دينارا (631 دولارا) حتى وزن 25 طنا للحاوية على محور عمان العقبة، وستخضع الأجور الجديدة لمعادلة تسعير المحروقات ارتفاعا أو انخفاضا بدءا من مطلع العام المقبل 2023، وسيتم تشكيل لجنة تضم الأطراف المعنية كافة لبحث جملة من التحديات التي تواجه قطاع النقل بشكل عام نتيجة ارتفاع اسعار المحروقات. واللافت التراجع عن رفع أسعار المحروقات الذي تم في آخر شهرين فضلاً عن رفع الحد الأدنى لأجور الشاحنات بنسبة لا تقل عن 40 في المائة وربط الحد الأدنى للأجور بأسعار المحروقات هبوطا وارتفاعا ناهيك عن وضع عقوبات رادعة على شركات التخليص والوسطاء غير الملتزمين بالحد الأدنى للأجور، كل ذلك سيخفف الاعباء على السائقين العموميين والشاحنات الذين يشتكون ارتفاع الكلف التشغيلية لمركباتهم، مما يهدد استمرار عمل الأسطول، خاصة في ظل ارتفاع أسعار قطع الغيار، وأجور السائقين، وتكاليف النقل، ورسوم التراخيص السنوية وغيرها.
ولتحقيق مطالب المحتجين على ارتفاع اسعار المحروقات ومشتقاتاتها وكذلك وأد الشائعات حول امكانية حصول اضراب عام في الأردن ، لم يتردد مجلس النواب الاردني في توجيه النقد إلى الحكومة التي وصفها في بأنها عجزت عن الإيفاء بالتزاماتها، لكنه حذر من التجاوز على سيادة القانون، وضرورة حفظ الأمن الوطني، ومنع الاعتداء على الممتلكات، فهو يريد أن يحتوي الشارع، ولا يريد أن يدخل في صدام مفتوح مع الحكومة ليس في أوانه، ولهذا فإن وجود رئيس الوزراء الاردني في الشارع الاردني ضرورة تمليها الظروف لجهة اهتمام اكبر بهموم المواطن الأردني واحتياجاته المتنامية ، في وقت تمّ فيه تقديم الحكومة الاردنية لمشروع قانون الموازنة لعام 2023، والتي قدرت بـ 11 مليارا و400 مليون دينار، وتعهدت بعدم فرض ضرائب جديدة، وبنمو الإيرادات المحلية بحدود 10.4 بالمئة، وبمعدل تضخم لا يتجاوز 3.8 بالمئة، وبرفع مخصصات شبكة الحماية الاجتماعية، وفيها رسائل طمأنة للمجتمع الاردني وللعاملين في قطاع النقل ، وقد يتحسن نتيجة ذلك الاداء الاقتصادي من حيث امكانية تحقيق وارتفاع الناتج المحلي الاجمالي وفتح فرص جديدة للعمل من خلال قنوات استثمارية وتالياً تراجع معدلات البطالة بين قوة العمل الأردنية وكذلك معدلات الفقر خلال العام القادم 2023 الى الحدود الدنيا بعد سجلت ارقام معدل البطالة في الاردن في الربع الثاني من العام الجاري 2022 نحو 23 في المائة، في حين بلغ معدل الفقر 24 في المائة.ويبقى القول أنه ليست هذه الأزمة الأولى التي يمر بها الأردن، فمنذ عودة الحياة الديمقراطية إليه عام 1989، ومتوالية الاحتجاجات تتعاقب؛ تسقط حكومة، وترحل، ولكن الأردن يظل صامداً في مواجهة الازمات الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية، ويتغلب عليها عبر اتباع سياسات اقتصادية محددة .