بقلم الدكتورة شيماء العماري
ما هو سر تأثير جماعة الإخوان المسلمين في واشنطن وقدرتها على التأثير في السياسة الأميركية تجاه العالم العربي؟ وكيف أصبحت الجماعة الإخوانية بوابة رئيسية للتفكير الاستراتيجي في الولايات المتحدة، في دراسة المنطقة وتقديم الاقتراحات للحكومة الأميركية؟ كيف نجح اللوبي الإخواني في إفشال جميع المحاولات لتصنيفه كجماعة إرهابية، على الرغم من تورط بعض أعضائه في أعمال وتنظيمات جهادية يمكن إثباتها بسهولة؟
بأي طريقة تمكنت جماعة الإخوان المسلمين من الوصول إلى صانعي القرار في واشنطن وإنشاء شبكة واسعة من العلاقات والنفوذ في الولايات المتحدة؟ و ماهي الأهداف التي يسعى لها التنظيم من خلال تعاونه مع الجهات الأمريكية؟
بين من يرون أن تواجد الإسلام السياسي القوي في واشنطن يعود إلى فشل الكونغرس وعدم قدرته على تصنيف هذا التنظيم كجماعة إرهابية بسبب تعدد فروعه وانتشاره العالمي، وبين من يرى أن وكالة الاستخبارات الأمريكية بالتعاون مع المخابرات البريطانية تقف وراء هذا التنظيم -السري جدا – في بعض أجزائه .. ولكن اجمع المحللون على أن عدداً من أعضاء الكونغرس، يقفون وراء خدمة أجندة الإخوان المسلمين من داخل مبنى “الكابيتول”، في عقر دار صناعة القرار الاميركي ..
وفي هذا الشأن يقول المؤرخ الأمريكي «وليم انجدال»، إن «الإخوان مجرد أداة ، ووسيلة، وهم كمؤسسة إسلامية دولية، منظمة سرية أقرب إلى التنظيمات التي لا تعمل بشفافية، وأن المخابرات المركزية الأمريكية لها تعاملات مع الإخوان منذ أن أخرجهم الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، من مصر في الخمسينيات، ولهم علاقات من قبل ذلك مع المخابرات البريطانية، لذلك تشعر المخابرات الأمريكية أن لديهم كيانا معروفا في الإخوان المسلمين، ولذلك يصر بعضهم في واشنطن على صعود الإخوان» !؟! وبالطبع فإن للولايات المتحدة خبرة طويلة في توظيف جماعات الإسلام السياسي، واستثمار شهوتها للسلطة.
وفي المعلومات ووفق ما يذكره المطلعون ان العلاقات «الأمريكية ــ الإخوانية» ، قد بدأت منذ آواخر الأربعينيات من القرن الماضي (1947)، وذلك على سبيل الميراث السياسي حيث ورثت الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عظمى جديدة الصاعدة، من القوة العظمى (بريطانيا) الخارجة من منطقة الشرق الأوسط، وبالفعل تسلمت واشنطن الميراث كنوع من الأدوات التي يمكن إستخدامها، أوهي صالحة بالفعل للإستخدام، كما سبق وإستخدمتها بريطانيا، وبدأ الاهتمام الأمريكي يتجه إلى «سعيد رمضان» الذراع اليمنى لمؤسس جماعة الإخوان المسلمين «حسن البنا» وزوج إبنته ووزير خارجية الجماعة ـ كما كان يراه البعض، وبتزامن مع ذلك وتحديداً في العام1953، تصاعدت الحركة الأمريكية لإحتواء الأفكار القومية الناشئة في الوطن العربي، وسعت لدعم جماعة الإخوان المسلمين والتيار الإسلامي للدفاع عن مصالحهم، ومولت إنشاء «رابطة مسلمي العالم»، وأدار القيادي الإخواني «سعيد رمضان» هذه الرابطة، إضافة إلى دعاة هنود من مدارس «ديوبند» التي أسسها «أبو الأعلى المودودي»، وفي هذه المدارس تخرج لاحقا زعماء حركة طالبان الحالية في أفغانستان.
ولكن العلاقة بين الاخوان وواشنطن وبعد سنوات شهدت خلافات في التوجهات وذلك بعد غزو العراق للكويت سنة 1990، حيث عارض الاخوان تدخل الائتلاف الذي تقوده الولايات المتحدة، حتى أن إخوان سوريا أيدوا نظام الرئيس الراحل صدام حسين بكل قوة في ردة فعل على انضمام النظام في سوريا للائتلاف الذي تقوده واشنطن.
وبعد احداث 11 أيلول 2001 نظرت الولايات المتحدة للإخوان بعين الريبة ووضعت بعض منتمي الجماعة على قوائم الإرهاب، وهنا لعبت قطر دوراً كبيراً في الوساطة بين الاخوان المسلمين وواشنطن. غير ان تنظيم الإخوان عارض الغزو الأمريكي للعراق في العام 2003، لكنه غض الطرف عن مشاركة الإخوان العراقيين بقيادة طارق الهاشمي في المجلس الوطني الانتقالي بقيادة بول بريمر.
والجدير ذكره انه جرت محاولات لتصنيف الاخوان المسلمين كتنظيم إرهابي وذلك في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما عام 2015، وكذلك في العام 2017، وفي العام 2018، حتى في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب كان هناك محاولة لذلك ولكن جرى تأجيلها، وفيما كان الفشل حليف الإدارات الأميركية والكونغرس في إدراج جماعة الإخوان المسلمين على قائمة الإرهاب الأمريكية، كانت الإمارات والسعودية تدرجها على قوائهما للمنظمات الإرهابيةـ حيث أدرجت الإمارات جماعة الاخوان المسلمين وجماعات محلية تدور في فلكها وأخرى تابعة لها على لائحة المنظمات الارهابية، وشمل التصنيف الإماراتي كل من تنظيمي جبهة النصرة وداعش إضافة إلى جماعة الحوثيين في اليمن، كما أدرجت الإمارات جمعية الإصلاح وهي جماعة إسلامية محلية محظورة على لائحة المنظمات الإرهابية بسبب صلتها بجماعة الإخوان المسلمين في مصر، والخطوة الإماراتية أتت بعد خطوة مماثلة من قبل السعودية التي أدرجت تنظيم الإخوان كمنظمة ارهابية، واتخذت إجراءات الرياض سلسلة من التدابير بدأت بها وزارة التعليم السعودية في إطار التصدي لفكر الإخوان وذلك عبر تعميم صادر لجميع مديريات التعليم في السعودية أواخر عام 2015، وطالب بسحب 80 مؤلفًا لأعلام جماعة الإخوان، وفي هذا الشأن أكد وزير التعليم السابق الدكتور أحمد العيسى في تصريحات سابقة مضي المملكة في اجتثاث كل من ينتمي لفكر الإخوان المسلمين.
أما مصر فقد أنهت حكم الاخوان عبر ثورة 30 حزيران(يونيو) 2013، بعد عام على حكمهم الذي نشروا فيه الفساد، وعطلوا المؤسسات، وبعد الثورة تم حظر الجماعة.
وبالعودة الى الولايات المتحدة نجد من ابرز الأسماء المتداولة حول النواب المشتبه ارتباطهم بجماعة الإخوان، عضو مجلس النواب الأمريكي، إلهان عمر، عن الحزب الديمقراطي، وهي أول مهاجرة صومالية ومسلمة تتولى هذا المنصب. و على الرغم من فرح الجالية بفوزها وترحيبهم الكبير وفخرهم بها، خاصةً وأنها تعد من أشرس المدافعين عن القضية الفلسطينية ومكافحة الإسلاموفوبيا، إلا أن الشارع الأمريكي والعربي سرعان ما لاحظ دفاعها الشديد عن قياديين ينتمون إلى حركة الإخوان المسلمين وهجومها الحاد على الدول العربية التي تعارض هذه الحركة مثل مصر والإمارات والمملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى علاقتها الودودة والناعمة مع الدول المعروفة بدعمها للإخوان مثل تركيا وقطر. فظهرت تارةً تطالب الكونغرس بوقف المساعدات المقدمة لتونس بعد إيقاف رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي وقادة آخرين في الحركة الإسلامية، رغم الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي تمر بها البلاد. وتارةً تتقدم بمشاريع تشريعية لمنع مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى السعودية والإمارات، تحت سجل حقوق الانسان، مما جلب الانتباه والشكوك حول المواقف المتناقضة والمتباعدة بين بعض القوى والموازين السياسية الأخرى، و أثار التساؤلات حول خلفية هذا “الانحياز الحقوقي “..
ولكن يبقى من الصعب تفسير مسافتها المتباعدة حيال دول مجاورة و متشابهة ومتقاربة جداً في انظمتها وثقافتها وتشريعاتها… فتبقى العوامل السياسية والتحالفات الجيوسياسية المبنية على المصالح المشتركة والأجندات الخارجية، تلعب دورها المحوري دائماً.
فهل كانت إلهان.. ثمرة ” زواج المسيار” بين الكونغرس والإخوان ؟
وهل فوز ترامب في الانتخابات الأمريكية القادمة قد يؤدي إلى تصنيف هذه الجماعة التي تشيطن المسلمين المعتدلين في أمريكيا وكافة بقاع العالم، لاهداف سياسية والتي كانت وراء انهيار الدول العربية في ما سمي بالربيع العربي- منظمة إرهابية- قبل فوات الأوان ؟ ام ان فضائح سياسية وضغوطات إقليمية قد تؤدي إلى عزوفه عن ذلك كما حصل سابقاً؟
إذا نخلص الى القول ان علاقة الولايات المتحدة بالإخوان المسلمين هي براغماتية ، وتلك من السمات التي تتمتع بها السياسة الأميركية، غير ان الواقعية السياسية تقضي ان ذلك الزواج العرفي بينهما آن له ان ينتمي لما فيه مصلحة أميركية قومية ، كون أثببت الواقائع ان الإخوان المسلمين لا عهد لهم.