الرياض تقود… والخليج يقرر: قمة التوازن الجديد بين الأمير محمد بن سلمان والرئيس ترامب

بقلم: خليل القاضي

في مشهد يعكس تحوّلاً استراتيجياً في موازين القوى الإقليمية، احتضنت العاصمة السعودية الرياض القمة الخليجية الأميركية، برئاسة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والرئيس الأميركي دونالد ترامب، وسط حضور رفيع لقادة دول مجلس التعاون الخليجي.

لم تكن القمة مجرّد لقاء دبلوماسي تقليدي، بل محطة مفصلية أعادت رسم معالم الشراكة الخليجية الأميركية، في ظل تحوّلات دولية متسارعة وصراعات إقليمية تزداد تعقيداً. ومن الرياض، خرجت رسائل واضحة: الخليج اليوم موحّد في رؤيته، ثابت في موقفه، ويقف صفاً واحداً في مواجهة التحديات المشتركة.

حضور القادة الخليجيين كان بحد ذاته مؤشراً على عودة مجلس التعاون إلى صورته المتماسكة التي غابت في السنوات الماضية. من أمير قطر الشيخ تميم بن حمد، إلى أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد، وملك البحرين حمد بن عيسى، وولي عهد أبوظبي الشيخ خالد بن محمد، مروراً بنائب رئيس الوزراء العُماني أسعد بن طارق — كلّهم اجتمعوا على أرض الرياض، في مشهد عكس وحدة الصف الخليجي حول المصير والقرار.

كلمة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان جاءت بمثابة خارطة طريق للمرحلة المقبلة، مؤكداً على أهمية التعاون الوثيق مع واشنطن لإنهاء التصعيد الإقليمي، وتعزيز الشراكة الاقتصادية، والسعي لوقف الحرب في غزة، والتوصّل إلى حلّ شامل للقضية الفلسطينية. لم يتحدث الأمير بلغة المجاملة، بل بلغة الفعل والحسم، معبّراً عن موقف سعودي واضح في دعم الاستقرار، انطلاقاً من شراكة ندّية مع الولايات المتحدة، لا من موقع التبعية.

أما الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فقد حمل معه رسائل صريحة في مضمونها ولهجتها. لم يتردد في انتقاد إدارة بايدن، مؤكداً عزمه منع إيران من امتلاك السلاح النووي، ومجدداً التزامه بحماية الشركاء في المنطقة. وفي موقف لافت، أعلن ترامب وقف العقوبات على سوريا لإعطائها فرصة “لبداية جديدة”، ودعا إلى إطلاق سراح المحتجزين في غزة — في رسالة مزدوجة إلى كل من إيران وحماس.

لكن ربما كانت الرسالة الأهم، غير المعلنة، هي أن السعودية — بقيادة الأمير محمد بن سلمان — لم تعد دولة مضيفة أو مجرد طرف إقليمي، بل صارت مركز القرار الخليجي، والضامن الأول لتماسك الموقف العربي. ما جرى في الرياض لم يكن فقط إعادة تنشيط للعلاقات مع واشنطن، بل تثبيت لمعادلة سياسية جديدة: قيادة سعودية تتعامل بندّية مع البيت الأبيض، وتبني تحالفات انطلاقاً من أولويات الأمن الخليجي، لا من أجندات خارجية مفروضة.

قمة الرياض، بهذا المعنى، كانت عرض قوة دبلوماسي، وإعادة صياغة لتحالفات الشرق الأوسط، ورسالة واضحة إلى العالم بأن الخليج — بقيادة السعودية — لم يعد ينتظر قرارات الخارج، بل يصوغ مواقفه ويفاوض من موقع القوة.

وقدّمت المملكة نفسها، مرة أخرى، كعاصمة القرار العربي ومركز الثقل الإقليمي، وشريك لا غنى عنه في هندسة الأمن والاستقرار. أما العلاقة مع واشنطن، فقد بدت في القمة أقرب ما تكون إلى شراكة حقيقية، تقوم على المصالح المتبادلة واحترام الإرادة الخليجية.

وهكذا، تدخل المنطقة فصلاً جديداً من التوازنات، ترسمه الرياض بثقة، ويتردد صداه في العواصم الكبرى… لأن الرياض لم تعد عاصمة القرار الخليجي فقط، بل أصبحت ميزان الشرق الأوسط الجديد.

Related Posts