شراكة السبعة عشر ملياراً: جسرٌ بين المنامة وواشنطن

بقلم: ماريا معلوف

في قلب العاصمة الأميركية، وعلى ضفاف العلاقات الراسخة التي تمتد لأكثر من قرنٍ وثلاثة عقود، وضعت البحرين حجرًا جديدًا في صرح شراكتها مع الولايات المتحدة، حجرًا من ذهبٍ يزن 17 مليار دولار من الاتفاقيات التي لا تنطق بالأرقام وحدها، بل تُعبّر عن إرادةٍ سياسيةٍ تعرف كيف تُحوِّل الفرص إلى واقعٍ يستحق أن يُروى.

حين وقف ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، ليشهد مراسم التوقيع، كان يوقّع في الحقيقة على وثيقة تجديد الثقة في معادلةٍ قديمةٍ جديدة: أن البحرين الصغيرة بمساحتها، الكبيرة بطموحها، قادرةٌ على أن تمدّ جسور الاستثمار من شواطئ الخليج إلى ضفاف المحيط الأطلسي، بيدٍ تصافح وبيدٍ تبني.

لم تكن الاتفاقيات مجرّد أوراقٍ ممهورةٍ بأختام شركاتٍ كبرى؛ بل كانت رسائل سياسية تقول بلغة المال إن المنامة عازمةٌ على أن تكون أكثر من مجرّد عاصمةٍ عريقة على ضفاف الخليج العربي، بل منصةٌ لحلول تقنية من «سيسكو» لشبكة المعلومات الحكومية، وكابل ألياف ضوئية بحري يمتد كالشريان بين البحرين والسعودية والكويت والعراق، ورحلات مباشرة إلى نيويورك، واستثمارات بمليارات الدولارات في الصناعات التحويلية المرتبطة بالألمنيوم، وحتى ضخّ أكثر من عشرة مليارات دولار من المؤسسات البحرينية في عمق السوق الأميركي. كل ذلك ليس تفصيلاً، بل خارطة طريقٍ اقتصاديةٍ عنوانها الشراكة لا التبعية، والانفتاح لا العزلة.

لم يكن الحفل مجرّد بروتوكول، بل احتفاءً بمنطقٍ استثمرت فيه البحرين طويلاً: أن القطاع الخاص شريكٌ أصيلٌ في صياغة الحاضر ورسم المستقبل. من واشنطن إلى المنامة، تلتقي الرؤى لتقول إن رأس المال حين يجد تشريعاتٍ مرنةً وبيئةً حاضنةً وشركاء يفكرون بعقل دولةٍ لا تقبل الجمود، فإنه يتحوّل إلى قاطرةٍ تجرّ وراءها فرص العمل والخبرات والتقنيات. وهو ما أدركه أيضًا الشريك الأميركي الذي حضر بمؤسساته وشركاته الكبرى ليؤكد أن السوق الأميركية ترى في البحرين منصةً موثوقةً للانطلاق نحو الخليج والمنطقة.

يقرأ البعض هذه الأرقام كعناوين لأرباحٍ وخسائر، بينما يدرك من يعرف البحرين أن ما جرى توقيعه هو تثبيتٌ لمكانةٍ كانت وما زالت ترفض أن تكون مجرّد معبرٍ للنفط أو محطةٍ على طريق التجارة. البحرين اليوم تُنصت لصوت المستقبل، وتردّ عليه بمشاريع تفتح أفقها نحو الاتصالات، والطيران، والتكنولوجيا، وربط الخليج بعالمٍ يتحرّك بسرعة الضوء.

في خلفية المشهد يقف الملك حمد بن عيسى آل خليفة، صاحب الرؤية التي آمنت مبكرًا أن الانفتاح ليس ترفًا ولا مناورةً إعلامية، بل خيارٌ وجودي لدولةٍ ترفض أن يأكلها الفراغ. من هنا نفهم لماذا كان ولي العهد يحرص في كل كلمةٍ على الإشارة إلى أن هذه الخطوة ليست سوى محطةٍ في مسارٍ طويل، مسارٍ يعرف كيف يُجدد تحالفاً استراتيجياً مع واشنطن لا تحكمه السياسة وحدها، بل يمدّه الاقتصاد بطاقةٍ لا تنضب.

سبعة عشر مليار دولار قد لا تغيّر موازين العالم في لغة الحسابات الكبرى، لكنها في ميزان البحرين رسالةٌ صارخة: نحن هنا لنصنع الفرص، لا لننتظرها. نحن هنا لنربط البحر بالخليج، والخليج بالعالم، والعالم بأفقٍ لا يحدّه إلا إيمان شعبٍ يقف كلما هبّت رياح التحوّل ليقول: هنا تُكتب القصص ويُزرَع الأمل بالمستقبل.

Related Posts