البرهان والإسلاميون: رهان خاسر بين العزلة الدولية والفرصة المدنية

الحرب في السودان لم تعد نزاعًا داخليًا فحسب، بل تحولت إلى ساحة صراع إقليمي ودولي تتقاطع فيها مصالح كبرى، وفي قلب هذه الأزمة يقف عبدالفتاح البرهان، الذي ظل يراهن على الإسلاميين كحاضنة سياسية وذراع قتالي، لكن الوقائع الأخيرة، من بيانات الرباعية إلى عقوبات الخزانة الأميركية، أثبتت أن هذا التحالف صار عبئًا على الجميع، وأن البرهان نفسه بدأ يبحث عن مخرج ولو كان على حساب أقرب حلفائه.

أولًا: البرهان ورهانه الخاسر

• البرهان ظل مقتنعًا بأن الإسلاميين يمكن أن يُقبلوا دوليًا كما حدث في سوريا مع بعض الفصائل ذات الطابع العقائدي، هذه القناعة ليست من فراغ؛ إذ ضخّ قادة الحركة الإسلامية وعودًا له بأن واشنطن والرياض وأبوظبي لن يجدوا بدًا من التعامل معهم في النهاية، بحكم قوتهم الميدانية.
• لكن الوقائع تخالف ذلك: في سوريا مثلًا، تم تصنيف جبهة النصرة كتنظيم إرهابي، وتم استبعادها من أي تسويات سياسية رغم قوتها العسكرية. هذا وحده يكفي لتفنيد سردية الإسلاميين في السودان.
• البرهان غفل عن أن المجتمع الدولي يتعامل مع الإسلاميين السودانيين لا كقوة محلية فقط، بل كامتداد لشبكة إقليمية متحالفة مع إيران، وهذا يجعلهم خطًا أحمر في الحسابات الأميركية والخليجية.

ثانيًا: التحولات الإقليمية بعد حرب الاثني عشر يوم
• حرب الاثني عشر يوم بين تل أبيب وطهران كانت فاصلة، لأول مرة، ظهر الشرق الأوسط مقسومًا بوضوح إلى معسكرين:

  1. معسكر الصفقة الإبراهيمية (إسرائيل، الإمارات، البحرين، والمتحالفون مع واشنطن).
  2. معسكر إيران وحلفائها العقائديين مثل حزب الله وحماس والجماعات المرتبطة بالإخوان.
    • إسرائيل لم تكتف بالردع، بل اغتالت قيادات من حزب الله، قضت على قدرات عسكرية متطورة، واستهدفت قيادات حماس في غزة والدوحة وأنقرة. هذه الضربات أكدت أن أي تحالف مع إيران أو وكلائها مكلف للغاية.
    • تجاهل البرهان لهذه الحقائق يجعله وكأنه يعادي ميزان القوى الدولي كله .. اعتقاده بأن واشنطن ستقبل بالإسلاميين في السودان بينما هي تحاربهم في المنطقة خطأ استراتيجي قاتل.

ثالثًا: الإسلاميون كعبء سياسي وأمني
• الإسلاميون في السودان لم يكتفوا بالخطاب، بل جلبوا أسلحة كيميائية من إيران واستخدموها في جبل موية والجزيرة والخرطوم و مناطق أخرى، فما الذي يمنعهم من تهريبها لغزة و استخدامها في العمق الاسرائيلي .. هذا الاستخدام لم يمر دون رصد دولي، تقارير استخباراتية أكدت وصول طائرات شحن إيرانية إلى بورتسودان، محملة بخبراء ومعدات، وظلت تهبط بصورة علنية دون ان يحاول الاسلاميون اخفائها.
• هذا يكشف أن الإسلاميين تجاوزوا حدود “التحالف السياسي” إلى مستوى الخطر الإقليمي، فوجودهم يعني تهديد البحر الأحمر، أحد أهم الممرات التجارية العالمية، وتحويله إلى منصة صواريخ أو طائرات مسيّرة إيرانية.
• هنا تكمن خطورة الإسلاميين: هم لم يعودوا فاعلًا محليًا، بل ذراعًا إيرانية في خاصرة الخليج وإسرائيل، وهذا بالضبط ما يجعل بقاءهم غير مقبول دوليًا.

رابعًا: الضربة القاصمة – الرباعية والعقوبات الأميركية
• بيان الرباعية في 13 سبتمبر 2025 لم يترك مجالًا للالتباس، وضع خريطة طريق واضحة: هدنة إنسانية، وقف دائم لإطلاق النار، وانتقال مدني خلال 9 أشهر. والأهم: تأكيد أن مستقبل السودان لا يمكن أن تحدده التنظيمات المرتبطة بالإخوان المسلمين، هذه أول مرة يتم فيها ربط الإخوان السودانيين بالمسؤولية عن الحرب في وثيقة دولية مشتركة بهذا الوزن.
• بالتوازي، أصدرت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على جبريل إبراهيم ولواء البراء بن مالك، استنادًا إلى الأمر التنفيذي 14098، وهو نفس الإطار القانوني الذي استُخدم ضد شبكات تمويل الإرهاب في مناطق أخرى. هذا يعني أن التعامل مع هؤلاء لم يعد مجرد “موقف سياسي”، بل صار مسألة قانونية لها تبعات مالية وجنائية دولية.
• الرباعية + العقوبات = رسالة مزدوجة للبرهان: “لن يُسمح لك بتمكين الإسلاميين، وإذا تمسكت بهم فسوف تُعاقب أنت ومؤسستك”.

خامسًا: البرهان يبيع الإسلاميين
• الاجتماع السري في زيورخ بين البرهان ومبعوث أميركي كشف النقاب عن تحول جديد: البرهان مُنح مهلة لتحديد معسكره، أمامه خياران: إما أن يتخلى عن الإسلاميين ويقبل بخطة انتقال، أو يُواجه عزلة خانقة.
• رد فعله يكشف الكثير: أرسل وفدًا إلى تل أبيب يطلب وساطة مع أبوظبي، وبرر تقاربه مع طهران بالحاجة إلى السلاح، هذا اعتراف ضمني أنه لم يكن يرى في الإسلاميين شريكًا، بل ملاذًا اضطراريًا.
• هذه الوقائع تفضح حقيقة البرهان: هو مستعد للتخلي عن الإسلاميين فور حصوله على بديل، أي إسلامي يقرأ هذه التطورات يجب أن يدرك أن البرهان قد باعهم بالفعل، وسيفعلها مجددًا بلا تردد.

سادسًا: الإخوان المسلمون على أعتاب التصنيف الإرهابي
• وزير الخارجية الأميركي أعلن أن واشنطن بصدد تصنيف جماعة الإخوان كمنظمة إرهابية .. هذه ليست مجرد خطوة رمزية، بل تحول استراتيجي يعني أن كل امتداد للإخوان سيُعامل كتهديد إرهابي للأمن القومي الأميركي.
• إذا اكتمل التصنيف، سيصبح وجود الإخوان في السودان تهديدًا مزدوجًا: داخليًا عبر الحرب، ودوليًا عبر إدراجهم ضمن لائحة الإرهاب، البرهان إذا تمسك بهم، سيضع نفسه وجيشه في مواجهة الولايات المتحدة نفسها، لا مجرد عقوبات محدودة.

سابعًا: الفرصة التاريخية للمدنيين
• في ظل هذه المعادلة، القوى المدنية هي المستفيد الأكبر، تحالفات مثل تأسيس وصمود تستطيع أن تقدم نفسها كخيار جاهز للانتقال.
• إذا تخلى البرهان عن الإسلاميين، سيحتاج واجهة مدنية يمرر عبرها ترتيبات الانتقال، وإذا تمسك بهم واصطدم بالرباعية، ستصبح القوى المدنية البديل الوحيد المقبول دوليًا.
• المهم هنا هو أن القوى المدنية تطرح خطة واضحة: ميثاق سلوك، خطة إنسانية عاجلة، ترتيبات أمنية، ومشروع عدالة انتقالية، هذا ما سيمنحها الشرعية والاعتراف.

المعادلة اليوم بسيطة:
• البرهان باع الإسلاميين، وسيفعلها مرة بعد أخرى لأنهم عبء على بقائه.
• الإسلاميون أنفسهم أصبحوا عنوانًا للإرهاب الدولي وخطرًا إقليميًا لا يُحتمل.
• القوى المدنية هي البديل الوحيد، سواء سقط البرهان مع الإسلاميين أو تخلّى عنهم مضطرًا.

هذه ليست مجرد قراءة سياسية، بل واقع تدعمه القرارات الدولية والعقوبات الأميركية والتحولات الإقليمية. السودان أمام مفترق طرق، والرهان على الإسلاميين صار طريقًا إلى العزلة والانهيار، بينما الرهان على المدنيين هو المخرج الوحيد نحو الاستقرار والشرعية.

Related Posts