بقلم: ماريا معلوف
يُقال: “عاشروا الناس عشرةً، إن غِبتم حنّوا إليكم، وإن فُقدتم بكوا عليكم”.
مقولة ووصيّة جسّدها الغائب الحاضر في ضمير وعقل كلّ مواطنٍ سياديّ في لبنان، الشهيد اللواء وسام الحسن، ذلك العقل الأمني الذي قلَّ نظيره في التاريخ اللبناني المعاصر.
فقد كان مهموماً بسيادة لبنان وحريصاً على الحفاظ عليه إلى حدّ إنكار الذات، ومثالاً حيّاً للإيثار وتغليب المصلحة الوطنية على أيّ مكسبٍ شخصي. كان يعمل بصمتٍ ويدع الإنجازات تتحدّث عنه، فالغائب إعلامياً كشخص، كان حاضراً في كلّ تفاصيل الحياة السياسية والإعلامية في لبنان.
لقد شغل الناس بإنجازاته الأمنية، وكان رجل المهمّات الصعبة في الزمن الصعب، إذ عبر بالأمن اللبناني إلى برّ الأمان في أخطر مرحلةٍ من تاريخ لبنان.
وباستشهاده قبل ثلاثة عشر عاماً، انكشف لبنان أمنياً وغرق في زمن “الدويلة” التي خافته فاغتالته.
وماذا عساي أقول عن لواء الشهادة والشهداء، وهو الذي كان يمقت الاستعراض والبروباغندا التي أتقنها بعض قادة الأجهزة الأمنية؟ لقد كان الوسيط الخفيّ في كثيرٍ من القضايا العابرة للحدود اللبنانية، وآمن بحرّية الشعوب وحقّها في الديمقراطية، فكان درع الحرية والحارس الأمين للإعلام اللبناني.
وقد واكبناه ميدانياً في جريدة الروّاد التي نشرت الكثير من الملفات الحسّاسة، وكان مدافعاً عن حقّنا في النشر، إذ دعمنا عندما كنّا أوّل من نشر هويّات المتّهمين باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وكشفنا ملابسات خطف المعارض السوري شبلي العيسمي، وملف العميل الذي أوقفته شعبة المعلومات ناصر نادر، كما قدّمنا سردية متكاملة لقضية خطف الإستونيين السبعة.
وكانت الروّاد أول وسيلة إعلامية لبنانية وعربية تُجري حواراً مع حبيب الشرتوني، ونشرت أسرار محاولة اغتيال العماد ميشال عون والتهديدات التي تلقّيناها آنذاك، وكيف تضامن معنا اللواء الشهيد انطلاقاً من حرصه على حرية الإعلام.
كما كانت الروّاد من أماطت اللثام عن جريمة مقتل سمير القنطار وعلاقتها بلغز الطيّار الإسرائيلي رون آراد، وحاورت رجل الأعمال الفلسطيني سعيد خوري الذي كشف الكثير عن ياسر عرفات ورفيق الحريري. وكان اللقاء الوحيد لوسيلة إعلامية لبنانية وعربية مع إلييتش راميريز سانشيز (كارلوس) منفّذ عملية خطف وزراء “أوبك” في الجزائر.
ونشرت الروّاد خفايا وأسرار الضابط الشهيد في شعبة المعلومات وسام عيد الذي كشف ملابسات اغتيال الرئيس رفيق الحريري، كما نشرت تفاصيل محاولة اغتيال اللواء الحسن التي سبقت استشهاده في 19 تشرين الأول 2012.
ولم تتوقّف الروّاد بعد اغتياله، بل واصلت نشر الحقائق، فكشفت شيفرة كارتل تمويل حزب الله في أميركا اللاتينية ودوره في التجارة غير المشروعة، وكانت الوحيدة التي نشرت حكم محكمة استئناف نيويورك (NYCA). كما نشرت تفاصيل عن تكليف إيران كارتل المخدّرات باغتيال السفير السعودي عادل الجبير، وكشفت عن علاقة حزب الله بإسرائيل، وتناولَت مبكّراً قضايا الأمن السيبراني والحروب الذكية.
كانت إنجازات الروّاد محلّ تقديرٍ من اللواء الشهيد، باعتراف القاصي والداني.
وبالعودة إلى لواء الشهادة والشهداء، الذي أسقط كلّ الخلايا التجسّسية وتصدّى لها، نقول: رحل في لحظةٍ تجلّى فيها الغدر، ومعه فقد لبنان أمانه، وأصبح مسرحاً لأجهزة العالم. فاللواء الحسن لم يكن رجل أمنٍ محلياً فحسب، بل رجل دولةٍ دوليّاً. وبالتجربة والمواكبة كان دولةً في رجل، وحين كان يتحرّك، كان الجميع يحسب له ألف حساب.
قد يكون غاب جسداً، لكنه سيبقى الحاضر دائماً.












