طيور الخير الإماراتية… حين يُحلّق الأمل

بقلم: خليل القاضي

حين يشتدّ الظلام، تُصبح بارقة الأمل التي تحمل النور حاجةً إنسانية، وليست ترفاً خطابياً. وعندما يعمّ الخراب، وتُقطع السبل، يصبح الفعل هو اللغة الوحيدة القادرة على تخفيف وجع الناجين. هنا، لا تعود الكلمات كافية، بل تُصبح الطائرات هي الناطقة بإسم الضمير. ومن بين دخان الحصار وأنين الأطفال، حلّقت “طيور الخير” الاماراتية محمّلةً بما هو أعمق من مجرد غذاء أو دواء؛ جاءت محمّلة برسائل الكرامة، والوفاء، والإنسانية… الكلمة الأساسية.

الإمارات، دولة ترفض الوقوف على رصيف المتفرجين حين تُسفك الكرامات. لا تبحث عن عدسات توثّق عطاياها، ولا تنتظر تصفيقاً أو ترويجاً إعلامياً. فهنا، الخير ليس فعلاً طارئاً، بل نهجٌ متجذّر، وامتدادٌ لإرث المغفور له الشيخ زايد، الذي زرع في الأرض عروبة القلب، وفي السياسة أخلاق الرحمة، وجعل من الإمارات بيتاً لكل مضطهد، ومرفأً لكل تائه.

مبادرة “طيور الخير”، لم تكن مجرّد عنوان إنساني، بل كانت جسراً بين السماء وغزة، بين ضميرٍ حيّ وحصارٍ يفتك بالحياة. منذ إطلاقها في 28 فبراير 2024 ضمن عملية “الفارس الشهم 3”، تحوّلت إلى شريانٍ يغذّي المناطق المعزولة شمال القطاع، والتي جفّفها العجز الدولي، وأخفاها ضجيج المؤتمرات الفارغة.

من خلال 193 طائرة، اسُقِط ما يقارب 3725 طنًا من المساعدات الغذائية والإغاثية، بدقةٍ تقنية عالية باستخدام نظام GPS، لضمان أن تصل كل حصة لمستحقّها دون أن تضلّ الطريق وسط الركام والسارقين من المتاجرين بالدم الغزاوي . 55 عملية إسقاط، كان آخرها بالتعاون مع الأردن ، جعلت من السماء رئةً لغزة، ومن الطائرات أسرّة شفاء، ومن الإمارات قلبًا نابضًا في زمنٍ يُجيد فيه كثرٌ فن التنصل.

لكن المسألة هنا ليست في الأرقام فقط، بل في المعنى. فحين قال الشيخ عبدالله بن زايد إن التزام الإمارات تجاه غزة “راسخ لا يتزعزع”، لم تكن عبارة سياسية، بل تعهداً أخلاقياً، وأن الخير عندهم لا يرتبط بترتيب مواقف، بل بفطرةٍ تأسست على رؤية الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، الذي يرى في العمل الإنساني واجبًا سياديًا لا يُساوم عليه.

“طيور الخير” ليست مجرد مبادرة، بل خطاب سياسي بلسان إنساني، يعبّر عن أن العروبة لا تُختصر بالشعارات، وأن النُبل لا يحتاج إلى منابر، و إنما جاءت لتقول إن الدعم ليس بندًا في موازنة، بل خيارٌ استراتيجي في مواجهة الانحدار الأخلاقي العالمي تجاه غزة.

في زمنٍ يزدحم بالنوايا الفارغة، ويكتفي البعض برفع الشعارات فوق أنقاض الأبرياء، تُصر الإمارات على أن السماء لا تُستخدم فقط في القصف، بل أيضاً في النجدة. وأن جناح الطائرة يمكن أن يكون أحنّ من خطاب دبلوماسي، وأكثر صدقاً من مئة قرار أممي.

هكذا كتبت الإمارات سطوراً جديدة في كتاب الدبلوماسية الفاعلة، لا المتفرّجة. ومن غبار الحرب، رفرفت “طيور الخير” كأنها تبشّر بأن في هذا الشرق من لا يزال يملك ضميرًا، وأن في هذه الأمة من لا يزال يُحسن الطيران… نحو الإنسان.

Related Posts