الثنائية الإماراتية–المصرية: ركيزة الاستقرار وبوصلة السلام

بقلم: ماريا معلوف

لم يكن لقاء الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والرئيس عبد الفتاح السيسي في القاهرة مجرد زيارة بروتوكولية. فالعلاقة بين الإمارات ومصر تجاوزت منذ سنوات إطار “الأشقاء” إلى ما يشبه الشراكة المصيرية. ما جرى في القاهرة هو تثبيت لمعنى أبعد: أن الاستقرار الإقليمي لم يعد ممكنًا من دون ثنائية أبوظبي–القاهرة، وأن من يريد فهم اتجاهات المنطقة عليه أن يقرأ هذه الثنائية كمعادلة قائمة بذاتها.

القضية الفلسطينية حضرت في قلب المشهد. الحديث عن “حل الدولتين” لم يكن تكرارًا لعبارة مألوفة، بل رسالة واضحة بأن أبوظبي والقاهرة ترفضان منطق إدارة الأزمات إلى ما لا نهاية. الموقف بدا كأنه دعوة لتثبيت قواعد اللعبة من جديد، في وقت يزداد فيه الضغط الدولي على إسرائيل بعد حرب غزة، وتتصاعد فيه موجة الاعترافات بالدولة الفلسطينية. الإمارات بدت هنا ليست وسيطًا كلاسيكيًا، بل لاعبًا يسعى إلى تحويل الملف الفلسطيني من ورقة نزاع إلى مشروع تسوية، فيما تدرك مصر أن دورها التاريخي في هذا الملف لا يمكن التفريط به.

لكن اللقاء لم يتوقف عند غزة. كان واضحًا أن الحديث ذهب أبعد إلى فكرة “العمل العربي المشترك”، وهي عبارة فقدت الكثير من معناها في العقود الماضية. الإمارات رسخت نفسها خلال السنوات الأخيرة كقوة استقرار، تستثمر في التنمية والبنية التحتية والدبلوماسية، ومصر تجد في هذه الشراكة سندًا مضاعفًا لمكانتها الإقليمية. الجمع بين الرؤية العملية للإمارات والوزن التاريخي لمصر يصنع ثقلًا يصعب تجاوزه إقليميًا ودوليًا.

الموقف من المبادرة الأميركية الأخيرة كان لافتًا. أبوظبي والقاهرة رحبتا بها، لكن بوضوح مشروط: لا تهجير، لا تصفية للقضية، ولا حلول مؤقتة على حساب الشعب الفلسطيني. هذا الرفض الضمني لإعادة إنتاج الماضي يعكس إدراكًا بأن أي فراغ ستملؤه قوى غير عربية، وهو ما لا تريده أبوظبي ولا القاهرة.

الرسالة الأوضح من اللقاء هي أن هناك تقاسمًا للأدوار. الإمارات تتحرك على الساحة الدولية بأدواتها الاقتصادية والسياسية، فيما تحافظ مصر على موقعها المباشر المتاخم لغزة وعلى عمقها الجيوسياسي. النتيجة: خطاب عربي قادر على أن يُسمع في عواصم القرار، لا مجرد بيانات للاستهلاك الداخلي.

في النهاية، ما يجري ليس مجرد “تنسيق ثنائي”. ما يحدث هو صياغة محور عربي جديد قائم على وضوح في الرؤية وتكامل في الأدوار. الإمارات تحمل مشروع الاستقرار والتنمية، ومصر تضيف إليه ثقل التاريخ والجغرافيا. في زمن التحولات السريعة، تبدو هذه الثنائية بمثابة صمام أمان أمام الفوضى، وربما البوصلة الأهم نحو شرق أوسط أكثر توازنًا.

Related Posts