الإمارات وقطاع غزة: حين تنتصر الإنسانية على الجغرافيا

بقلم : الدكتور نبيل ميخائيل

في وقتٍ تتكدّس فيه الآلام داخل أروقة المستشفيات المنهكة في قطاع غزة، وتُحاصر الحياة بين نقص الدواء وانقطاع الكهرباء، تبرز الإمارات بصمتها الثابتة، لا في إطار استعراض سياسي أو تنافس إعلامي، بل ضمن سياق التزام إنساني غير مشروط، تُرجم مجددًا عبر شحنة طبية نوعية حملت معها ما يقارب 65 طنًا من الأدوية والمستلزمات الضرورية للقطاع الصحي.

هذه المبادرة، التي جاءت بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، تنسجم مع رؤية إماراتية واضحة: الوقوف إلى جانب الشعوب المنكوبة لا يُقاس بالشعارات، بل بما يُحمَّل على الشاحنات ويصل إلى غرف الطوارئ. وفي الحالة الغزّية، لم يكن الدعم الإماراتي وليد لحظة، بل فصلٌ مستمر من مبادرة “الفارس الشهم 3”، التي تتجاوز حدود الإغاثة إلى بناء قدرة مستدامة على الصمود.

ما يلفت الانتباه ليس فقط حجم الشحنة أو طبيعتها المنقذة للحياة، بل توقيتها؛ إذ تأتي في لحظة انهيار حاد للقطاع الصحي نتيجة الحصار والدمار المتراكم، ما جعل منها طوق نجاة مباشر في ظل عجز المنظومة الدولية عن إحداث فارق ملموس.

ممثلو منظمة الصحة العالمية لم يخفوا هذا الواقع، إذ وصفوا الإمارات بأنها أحد أبرز الداعمين، مؤكدين أن ما تم تقديمه سيسهم مباشرة في التخفيف من حدة الأزمة الدوائية، وتعزيز قدرة المرافق الطبية على الاستجابة للاحتياجات المتزايدة.

وفي ظل ازدحام البيانات السياسية بالصخب، تبقى هذه المبادرات أصدق تعبير عن التوازن بين السياسة والأخلاق. فحين تتقدّم الإمارات بهذه المساعدات، فإنها تكرّس معادلة نادرة في المنطقة: أن العمل الإنساني لا يحتاج إلى كاميرا، بل إلى إرادة، وأن الالتزام تجاه غزة لا يُقاس بلون الراية، بل بحجم الحاجة التي لا تنتظر.

Related Posts