الإمارات وخطوط حمراء التطبيع: الضفة الغربية على مفترق المصير

بقلم: الدكتور عبد العزيز طارقجي

في قلب السياسة الإقليمية، حيث تتقاطع المصالح الوطنية مع الرؤى الاستراتيجية، تتبوأ الإمارات مكانة الحارس لـ«الخطوط الحمراء» للسلام العربي–الإسرائيلي. التحذيرات الأخيرة لأبوظبي تجاه خطة إسرائيل لضم أجزاء من الضفة الغربية لم تكن مجرد تصريحات روتينية، بل رسالة محسوبة بدقة، تنبع من قراءة واعية لموازين القوة الإقليمية والدولية.

وفق تقارير موقع «أكسيوس» الأميركي، حذرت الإمارات إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من أن أي خطوة إسرائيلية نحو الضم ستقوض الاتفاقيات الإبراهيمية، وتعيق آمال توسيعها. الرسالة كانت مزدوجة: لإسرائيل وللبيت الأبيض على حد سواء، مفادها أن الضم ليس مجرد خيار استراتيجي، بل اختبار للالتزام بالاتفاقيات، ولإرث سياسي هش قد يتداعى أمام تجاهل الخطوط الحمراء الإماراتية.

الإمارات تصف الضم بأنه «خط أحمر»، يحمل ثقلًا دبلوماسيًا لا يمكن تجاوزه. مسؤول إماراتي كبير شدد على أن تنفيذ الخطط سيُلحق أضرارًا جسيمة بالعلاقات الثنائية، ويعوق رؤية التكامل الإقليمي بشكل يصعب إصلاحه. هذا التحذير ليس مجرد كلمات، بل رؤية استراتيجية: أمام إسرائيل خياران واضحان، بين الضم أو الاندماج، بين استمرار مسار التطبيع أو تهديده بما يشبه الموت البطيء.

التوقيت كان محسوبًا؛ فقد صدرت التصريحات قبيل اجتماع مرتقب لرئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو لمناقشة خطط الضم، في ظل تلويح إسرائيلي بالتنسيق مع واشنطن. الإمارات تؤكد أن أي خطوة أحادية الجانب ستقوض حل الدولتين، وتدق ناقوس خطر على الاستقرار الفلسطيني والعربي على حد سواء.

ما نراه هنا يتجاوز التحذير؛ إنه قراءة دقيقة للرهانات الإقليمية والدولية. عبر دبلوماسيتها النشطة، تراهن الإمارات على أن علاقاتها مع واشنطن تمنحها قدرة على توجيه السياسات الإسرائيلية، وضمان ألا تتحول الاتفاقيات الإبراهيمية إلى مجرد طيف هش بلا مضمون. موقفها ثابت منذ عام 2020: التطبيع لم يكن على حساب الحقوق الفلسطينية، بل وسيلة لتعزيز دعم الشعب الفلسطيني وتحقيق السلام وفق رؤية عادلة ومستدامة.

الخطاب الإماراتي يضم أيضًا بعدًا أخلاقيًا وسياسيًا: السلام يحتاج شجاعة ومثابرة، ورفض السماح للمتطرفين بتحديد خيارات المنطقة. في هذا السياق، يصبح الضم اختبارًا ليس لإسرائيل فحسب، بل لكل من حاول إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط عبر اتفاقيات إبراهيم.

في الختام، الرسالة واضحة: من يغامر بتجاهل الخطوط الحمراء، قد يجد نفسه أمام واقع لا عودة منه، ليس على صعيد العلاقات الثنائية فقط، بل على مستوى التكامل الإقليمي ومستقبل حل الدولتين. الإمارات لا تهدد، بل تؤكد استراتيجية طويلة الأمد، تستثمر فيها علاقاتها مع الولايات المتحدة، وتثبت أن السياسة أحيانًا تتطلب خطوطًا لا يمكن تجاوزها، وأن التوازن بين القوة والمبادئ ليس رفاهية، بل ضرورة للبقاء في ساحات المصير الكبرى.

Related Posts