بقلم: ماريا معلوف
لم يعد حضور الإمارات في الاقتصاد العالمي مجرد انعكاس لمكانتها النفطية، بل أصبح ثمرة رؤية واضحة تنظر إلى المستقبل بعيون واسعة. فالدولة، التي وضعت التنويع الاقتصادي في صلب استراتيجيتها، تسير بخطى واثقة نحو بناء شراكات تعزز مكانتها كلاعب رئيسي في التجارة العالمية، وتأتي العلاقة الاقتصادية مع الولايات المتحدة في مقدمة هذه الشراكات.
الأرقام تتحدث بوضوح: حجم التجارة الثنائية غير النفطية بين الإمارات والولايات المتحدة بلغ 38 مليار دولار عام 2024، مسجلاً نموًا تراكمياً بنسبة 44.5% خلال خمس سنوات فقط. وفي النصف الأول من عام 2025، وصلت قيمة التبادل التجاري غير النفطي إلى 19.3 مليار دولار، وهو مؤشر قوي على أن هذا المسار يتوسع بوتيرة ثابتة.
الزيارة الأخيرة للوفد التجاري الإماراتي إلى الولايات المتحدة، برئاسة وزير التجارة الخارجية الدكتور ثاني بن أحمد الزيودي، جاءت لتؤكد هذا التوجه. فقد حملت اللقاءات في واشنطن ملفات نوعية تمس صميم المستقبل الاقتصادي: تدفقات رأس المال، الابتكار، التكنولوجيا، والاستدامة. وهي جميعها ركائز أساسية في الرؤية الإماراتية للمرحلة المقبلة.
ولعل ما يميز هذه العلاقة أنها لا تقتصر على زيادة التبادل التجاري، بل تتجه نحو استثمارات ذات أثر مباشر. ففي قطاع الطاقة النظيفة، أطلقت “القابضة (ADQ)” بالتعاون مع شركة “Energy Capital Partners” الأميركية مشروعًا ضخمًا بقيمة 25 مليار دولار لإنتاج الطاقة داخل الولايات المتحدة. مشروع يحقق مصلحة مزدوجة: استثمارات تعزز القدرات الأميركية، وحضور إماراتي يرسخ موقعه كلاعب رئيسي في التحول نحو الطاقة النظيفة.
على نحو موازٍ، ضخت شركة “الإمارات العالمية للألمنيوم” استثمارات بقيمة 4 مليارات دولار لإنشاء أول مصهر ألمنيوم جديد في الولايات المتحدة منذ 45 عامًا. خطوة تتجاوز كونها مشروعًا صناعيًا لتتحول إلى محطة استراتيجية توفر آلاف الوظائف، وتدعم سلاسل التوريد الأميركية في قطاعات حيوية مثل أشباه الموصلات والمركبات الكهربائية.
هذا الحراك لا ينفصل عن الرؤية الأوسع للإمارات، الرامية إلى جعل الدولة مركزًا محوريًا في التجارة العالمية، من خلال شبكة علاقات متينة مع الأسواق الكبرى، واستثمارات دقيقة في قطاعات تمثل اقتصاد المستقبل. وبذلك تواصل الإمارات تعزيز موقعها كوجهة آمنة لرؤوس الأموال وقاعدة انطلاق للابتكار والنمو المستدام.
أما اجتماعات مجلس الأعمال الإماراتي – الأميركي وغرفة التجارة الأميركية، فقد أسفرت عن توافق على مسار طويل الأمد، يتجاوز الأرقام ليصل إلى نقل التكنولوجيا وتوسيع الاستثمارات النوعية وتعزيز النمو المتبادل. وهو ما يؤكد أن العلاقة بين البلدين لم تعد خيارًا تكتيكيًا عابرًا، بل أصبحت شراكة استراتيجية تقوم على مصالح راسخة ورؤية مشتركة.
إن ما تقوم به الإمارات في الولايات المتحدة يعكس خطوات مدروسة ضمن رؤية اقتصادية متكاملة، هدفها ترسيخ مكانتها كأحد المحركات الرئيسة للاقتصاد العالمي. ومع استمرار المشاريع الكبرى وتوسع مسارات التعاون، يترسخ النموذج الإماراتي في التجارة غير النفطية، ويزداد وضوح دورها كشريك دولي لا غنى عنه.