الإمارات في مواجهة الإرهاب: من إدانة تفجير نيجيريا إلى ترسيخ ثقافة التسامح

بقلم : خليل القاضي

مرة أخرى يطلّ الإرهاب على العالم بوجهه البشع، وهذه المرة من نيجيريا، حيث استهدف تفجير دموي مسجدًا وجموع المصلين. لم يكن الحدث مجرد جريمة ضد الأبرياء، بل محاولة لضرب جوهر الإيمان ومفهوم السلام الذي تمثّله بيوت الله. وفي مواجهة هذا الفعل المشين، لم تتأخر الإمارات عن إدانة الجريمة، لكن إدانتها لم تكن بروتوكولية ولا مجرد بيان تضامن، بل تعبير عن نهج راسخ تتبناه الدولة في معركتها الطويلة ضد الإرهاب.

فالإمارات تدرك أن الإرهاب ليس حادثًا عابرًا ولا شأناً محليًا يخص دولة دون أخرى. إنه وباء عالمي يتغذى على التعصب والكراهية والفقر والجهل، ويتنقل عبر الحدود والثقافات بلا استئذان. من هنا، لم تكتف أبوظبي بالاستنكار، بل ربطت ما جرى في نيجيريا بضرورة مواجهة الجذور العميقة للتطرف. هذه المقاربة ظهرت جلية في مشاركتها النشطة خلال أسبوع مكافحة الإرهاب في الأمم المتحدة عام 2023، حيث شدد وفدها على أن المعركة الحقيقية ليست عسكرية فقط، بل فكرية وثقافية وإعلامية أيضًا.

اللافت في الطرح الإماراتي أنه لا يكتفي بالكلام المكرر عن “محاربة الإرهاب”، بل يذهب إلى حيث تنمو الفكرة المتطرفة فعلًا: الفضاء الرقمي. فقد دعت الدولة إلى التصدي للمعلومات المضللة عبر الإنترنت ووسائل التواصل، باعتبارها الساحة الجديدة التي تزرع فيها الجماعات بذور الكراهية وتخدع بها العقول. في زمن تتحول فيه الهواتف إلى ساحات تجنيد مفتوحة، بدا موقف الإمارات متقدمًا وواقعيًا في آن.

وما يعزز مصداقية هذا التوجه أن الإمارات لم تكتف بالتحذير، بل تحركت على المستوى العملي. فقد ساهمت بفعالية في صياغة قرار مجلس الأمن حول “التسامح والسلام والأمن”، القرار الأول من نوعه الذي يربط بين خطاب الكراهية وتصاعد النزاعات. بهذا، وضعت المجتمع الدولي أمام مسؤولياته: إن لم يُكبح خطاب الكراهية، فإن العنف سيجد طريقه حتمًا إلى الشوارع والميادين.

إلى جانب ذلك، طورت الإمارات مبادرات عملية لحماية الفضاء الرقمي من استغلال الإرهابيين. أبرزها برنامج “النبض السيبراني”، الذي يرفع الوعي بالتهديدات الإلكترونية ويحصّن المستخدمين من محاولات التجنيد والتضليل. بهذا المعنى، تتعامل الإمارات مع الإرهاب باعتباره منظومة متشابكة لا يمكن تفكيكها إلا بجهود متوازية: أمنية وفكرية وثقافية وإلكترونية.

الإدانة التي أطلقتها الإمارات لتفجير نيجيريا إذًا لم تكن جملة عابرة، بل امتدادًا لرؤية استراتيجية أشمل. الدولة تنظر إلى الإرهاب باعتباره تهديدًا للإنسانية جمعاء، لا لمجتمع بعينه. ومن هنا تبنّت مقاربة شمولية، تُعلي من شأن التعليم والتسامح، وتضع الحوار بين الثقافات كجدار أول يحمي المجتمعات من الانجرار إلى دوامة العنف.

لقد تحوّلت الإمارات خلال العقدين الأخيرين إلى نموذج مغاير في مقاربة الإرهاب. فهي لا تراهن فقط على الأجهزة الأمنية، بل على ما تسميه “القوة الناعمة”: الاستثمار في الوعي، في الثقافة، وفي صناعة خطاب بديل يواجه الكراهية بخطاب إنساني جامع. إنها مقاربة لا تُبنى على ردود أفعال آنية، بل على استراتيجية بعيدة المدى ترى أن العالم الآمن يبدأ من الإنسان المتصالح مع نفسه ومع الآخر.

في النهاية، ما يميز الموقف الإماراتي أنه لا يخلط بين الإدانة الشكلية والموقف السياسي. فهي حين أدانت تفجير نيجيريا، فعلت ذلك من موقع الدولة التي تعي حجم الخطر وتعرف أن مكافحته تبدأ من الجذور لا من القشور. والرسالة أوضح من أي وقت مضى: الإرهاب لا يُهزم بالقوة وحدها، بل بتجفيف منابعه الفكرية والاقتصادية والاجتماعية. وهذا بالضبط ما تسعى الإمارات إلى تكريسه، سواء في مساجد إفريقيا أو في قاعات الأمم المتحدة.

Related Posts