بقلم/ ماريا معلوف
منذ السبت الماضي وكثير من المحللين العرب وحتى الساسة في معظم الدول العربية يسألون انفسهم عن الأسباب الحقيقية التي جعلت حركة حماس تقوم بهذه المغامرة الغير محسوبة العواقب وذلك بالنظر إلى أن الشعب الفلسطيني وخصوصا داخل غزة ليس بحاجة إلى عذابات أخرى يكتوي بها وأيضا فليس هناك من اشقاءه العرب والمسلمين من سيقف معه بغير الكلام الذي لايقدم ولا يؤخر في التطورات الميدانية على أرض الصراع .
بداية لقد أرادت حماس كسر هيبة الجيش الإسرائيلي وهي وان نجحت في ذلك فقد فتحت الباب للقوى العظمى لتنشر بوارجها في البحر المتوسط ويصبح الصراع مع الدول الكبرى التي حتى وإن تعاطفت مع المدنيين الفلسطينيين فلم يعد بإمكانها إقناع العالم ولو بعد ١٠٠ سنة أن حماس ليست منظمة إرهابية وتصبح-اي تلك الدول- اللاعب الأكبر في إثبات أن حماس لامستقبل لها في (وحدة المسارات)مستقبلا ولا ننسى توحد العالم اليوم في الاحتشاد وللأسف ضد القضية الفلسطينية بسبب اقتناعهم الذي تدعمه الأدلة المرئية بأن حماس تنطلق من الفكر الإرهابي الذي فرخته جماعة الإخوان المسلمين منذ اربعينيات القرن الماضي .
هذا الطوفان الذي حصل وبعد مرور اسبوع على حدوثه يجعلنا نتوقف وفي قراءة متانية عند النقاط التالية:
اولا/ أن محور الممانعة لايريد الانخراط في مواجهة عسكرية مع إسرائيل فهو وان كان يخشى ردة الفعل الأمريكية فهو كذلك لايجد حتى من دول العالم التي لا زال يتمتع بصداقتها من يحمل اسراءيل مسؤولية ماحدث بل الكل مجمعون على أن المعتدي في هذه الجولة هو حركة حماس…
وهنا يرد السؤال:ماذا خسرت حماس من وراء هذه العملية؟ وماذا خسر العالم العربي؟ وقبل ذلك وبعده ماذا خسرت القضية الفلسطينية من هذا العدوان الارعن الذي لم يضع في اعتباره سقوط آلاف المدنيين خلال الرد الإسرائيلي الطبيعي على هذا التصرف الأحمق؟
واقول هنا أنه ومنذ نشوء حركة حماس وبعد ذلك قتلها لمءات العناصر الفتحاوية المخلصة للقضية الفلسطينية في صراعات داخلية خلال طردها للسلطة الفلسطينية من غزة وهذه المنظمة تدمر كل نجاح سياسي يجمع عليه الفلسطينيون تحت سقف منظمة التحرير ولأن كانت حماس قد أرادت من خلال هذا الفعل إثبات نفسها كلاعب أساسي ضمن محور هو عاجز اليوم عن الوقوف إلى جانبها حتى ولو وزع عشرات الملايين من الأعلام المزينة بالصور والشعارات على متظاهرين في بلاد بعيدة عنها وفي محور أراد الشعب الفلسطيني وقودا لمشاريعه وعجز عن الرد حتى على قتل علماءه النوويين جهارا نهارا في طهران واستباحة مطاراته في دمشق وحلب وقبوله بتوزيع مقدرات بلاده على روسيا وتركيا والولايات المتحدة والصين و حتى تنظيم(قسد) من أجل البقاء في الكرسي بعد ان شق وحدة(الصف الفلسطيني)على مدى ٤٠عاما عبر(ابو صالح وابو موسى وجورج حبش واحمد جبريل وصبري البنا) وكثيرون ممن باعتهم انظمة(القومجية العربية في سوريا والعراق في سوق النخاسة)وليس منا ببعيد مافعله النظام العراقي عشية ارهاصات دخول القوات الأمريكية للعراق وتحديدا العام ٢٠٠٢ في المدعو(صبري البنا) الذي قتل هو و تنظيمه عشرات المسؤولين في منظمة فتح وفي مقدمتهم صلاح خلف بايعاز من انظمة العراق وليبيا وسوريا وبمعنى آخر فقد جعلتهم تلك القوى العربية خنجرا مسموما لشق وحدة(الموقف الفلسطيني) ثم كانت نهايتهم على يد تلك الأنظمة التي لا يهمها شعبها بقدر أن الشعب يجب أن يكون ضمن الشعب (المفيد)كما أعلن ذلك بوضوح من استرجع النظرية القديمة (سوريا المفيدة)وقال أن سوريا ليست للسوري الذي ولد فيها هو واجداده بل لمن يدافع عنها حتى ولو كان من الزينبيين الأفغان أو الحشد الطاءفي العراقي .
ثاتيا/موقف حماس ووزنها في الشرق الأوسط سيصبح قبل نهاية العام كذاك الممثل (الكومبارس)الذي لايتخطى دوره في المسرحية دقائق قليلة وبمجرد خروجه من خشبة المسرح يقول له المخرج:انتهى دورك …عد إلى بيتك…ولا زال في المسرحية دقائق كثيرة.
وهنا نعيد السؤال مرة أخرى .هل لإيران دور في هذا التصرف اللامسؤول؟
واقول هنا ان المسؤولية الجزئية عن هذه الهجمات وتتحملها ولاشك الجمهورية الإسلامية في إيران وقد قرأت كغيري مانشرته صحيفة (وول ستريت جورنال )في عدد يوم الاثنين الماضي من أن إيران سمحت بهذه العملية ومنحتها الاذن في اجتماع عقد في بيروت في ٢اكتوبر الحالي بين مسؤولين في الحرس الثوري وقادة من حماس وهو ما ينفي ادعاءات المكتب السياسي لحماس بعدم معرفته المسبقة بالهجوم واما التخطيط للعملية فمن نافلة القول ان التدريبات لم تكن في أرض فلسطين أو بجوارها المكشوف وإنما تمت في مناطق بعيدة ومكشوفة غالبا وضمن أهداف مشابهة تم بناءها ويمكن أن يكون ذلك قد تم في العراق أو إيران مع ايحاءات بأنها تخص تدريبات تخص فصائل عراقية أو إيرانية لكن هذا يبقى من باب التخمين والتقدير.
سؤال آخر أيضا يسأله مراقبون هنا في واشنطن..وهو لماذا لا ترغب الولايات المتحدة في اتهام إيران مباشرة بالتورط في العملية؟
في حوار هنا بالقرب من الكابيتول قال لي أحد الصحفيين أن الاتهام المباشر سوف يضطر الولايات المتحدة للصدام مباشرة مع ميليشيات كثيرة تمتد من أفغانستان مرورا بايران وليس انتهاء باليمن ترغب كلها استهداف مصالخ(الشيطان الأكبر ) على حد قولها وبالتالي فهي-اي الولايات المتحدة-تبدو كما يدافع فقط ودون هجوم عن من ترى أنه الطرف المظلوم في هذه الأزمة الطاحنة.
ثالثا/ في التحليل الجيوسياسي سيؤدي هذا الاعتداء الحمساوي إلى إلغاء أوربا والناتو وبالطبع الولايات المتحدة خلال السنوات المقبلة وممانعتها لأي دور ولو هامشي لما يسمى بحركات الإسلام السياسي في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بل وسيتم إلزام كثير من الدول وفي مقدمتها قطر-على سبيل المثال-بطرد القيادات الحمساوية التي ساهمت بكل نجاح وللأسف في تصفية القضية الفلسطينية وتشتيت البوصلة التي اختارتها منظمة التحرير ومعظم اشقاءها العرب من أجل حقن الدماء الفلسطينية.
في خلاصة…لقد أنقذت حماس نتنياهو من غير أن تقصد وساهمت في قيام تكتل حربي بين الاحزاب الإسرائيلية أعطته هي الفرصة ليدمرها ويسحق الشعب الفلسطيني واثبتت -اي حركة حماس-أنها ما هي إلا امتداد لرؤية جماعة الإخوان المسلمين التي ومنذ إعلان قيام دولة اسراءيل العام ١٩٤٨ وهي تدعو صراحة إلى قتل اي يهودي يقيم في العالم العربي وماحدث في ذلك العام وصولا الى مجازر (الفرهود)التي قامت بها أحزاب محسوبة على الإخوان المسلمين في العراق وقتلت أكثر من ٩٠٠يهودي ساعة إعلان قيام الدولة دابت تلك الجماعات الدينية على جعل فلسطيني الداخل وقودا لمكاسب سياسية تتحصلها هي في بلادها كما نراه اليوم في الموقف الإيراني من الأحداث.
لقد أرادت إيران بهذه العملية بعثرة الشعب الفلسطيني إلى شتات جديد وايقاظ شعارات باءدة دفنت مع اصحابها القومجيين والناصريين الذين يملكون هم واولادهم واحفادهم الجنسيات الإسرائيلية والامريكية والفرنسية واكبر الشركات التجارية في شارع ديزنجوف وشارع يوشع بن نون وليس القيادي في حماس(كمال الخطيب)الا نموذجا فاقعا على ذلك.
وفي خلاصة مؤلمة فقد دفنت حماس برعونتها القضية الفلسطينية للأبد وجيشت أوروبا ضد الشتات الفلسطيني في اصقاع العالم وأعطت المبرر لإسرائيل للنيل من الدول العربية العاجزة اصلا عن رعاية مصالح شعوبها ولن تجد غزة من بعض اشقاءها العرب (القومجيين) وملالي إيران الا القول بأن قلوبنا معكم..موتوا في ارضكم…والمكاسب السياسية هي لنا.
على المستوى الشخصي فقد احترت كما احتار غيري كثيرون في الدافع الذي اقدمت بسببه حماس على هذه العملية التي ستنهي القضية الفلسطينية إلى الأبد..وتساءلت عن الهدف والثمرة التي ترغب جنيها من خلال هذه العملية التي مكنت وستمكن إسرائيل من تفريغ غزة من سكانها وان تحل مشكلتها على حساب الضفة الغربية والأردن وربما مصر أو في أفضل الأحوال تجميد الوضع الفلسطيني ل٥٠سنة قادمة وأكثر…وبدت حماس -وللاسف- في هذه الأحداث كمن أراد أن يثبت للمجتمع الدولي أن(الشعب الفلسطيني )مجموعة من البرابرة تؤدي حفلات جماعية من الذبح لعسكريين ومدنيين رجالا ونساءا حيث فقد الفلسطينيون كل تعاطف إعلامي كانت تصبغه عليهم مثلا القنوات الفرنسية الإخبارية خلال السنوات الماضية وأصبحت مصطلحات مثل (الفاشية)و(الغطرسة ) الصق بالشعب الفلسطيني من نظيره الإسرائيلي ناهيك عن آلاف المقرات الدولية في اوربا التي وضعت علم اسراءيل أعلى مبانيها تعاطفا مع ما اقدمت عليه حماس من تصرفات هي أقرب للداعشية ستجعل من (الإنسان الإسرائيلي )هو المظلوم في عرف كل دول الغرب وحتى في بعض الدول العربية لعقود كثيرة قادمة…وعاد إلى الواجهة التحقق من السرديات الفلسطينية لاحداث عانى منها في السبعينيات كل من الشعب الأردني واللبناني قبل وبعد أحداث أيلول الأسود ولم يعد يجدي اليوم نفيها فقد تأكدت وللأسف(العنصرية الدموية الحمساوية )كما كانت تطلق قديما في احراش الأردن مقولة(العنصرية الدموية الفلسطينية )التي ذبحت بدو الأردن واختتمت جراءمها بقتل وصفي التل رئيس الوزراء الأردني وأما لبنان فواضح للعيان كم هي تلك الأثمان البشرية والمالية التي تحملها من اجل(الكضية).
وأخيرا نسأل:هل المجتمع الدولي قادر على إيقاف هذه الأحداث؟الإجابة بكل وضوح لا..فإسرائيل لابد أن تسترد هيبتها وتبادل الأسرى لايمكن أن يكون في صحراء جرداء بعد أن تحول اسراءيل غزة إلى منطقة خاوية واما باقي فلسطين(الدولة) فقد ارجعته حماس بتصرفها الأرعن إلى نقطة الصفر حيث بداية مرحلة جديدة من الاقتتال الفلسطيني الفلسطيني لاقيمة فعلية له حيث قد ضاع (سراب الدولة )بعيدا بعيدا بعيدا.