الحكومة الأولى للعهد وشيطان التفاصيل

بقلم: ماريا معلوف

من يراقب التطورات في لبنان منذ 9 كانون الثاني( يناير) 2025 تاريخ انتخاب العماد جوزيف عون رئيساً للجمهورية، وانجاز الاستشارات الملزمة من أجل تكليف رئيس حكومة التي اسفرت الى تكليف القاضي نواف سلام لتأليف الحكومة والذي بدوره انهى استشاراته مع الكتل النيابية، وما كاد ينطلق الرئيس المكلف نواف سلام بالتأليف حتى بدأت شياطين التفاصيل تطل برؤوسها، وعادت حليمة (القوى السياسية) الى عادتها القديمة في المحاصصة والتمسك بالحقائب الوزارية، كما لو أن البلاد في حالة طبيعية، و ان لا تطورات جيوسياسية قد وقعت وفرضت إيقاع جديد ليس في لبنان والمنطقة وحسب وانما في العالم، وقبل الخوض في تفاصيل تأليف الحكومة واضغاث أحلام القوى السياسية، لا بد لنا من التوقف أمام الزيارة الهامة التي قام بها وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان وهي الأولى لشخصية سعودية بهذا المستوى الى لبنان منذ 15 عاماً، زيارة تأتي تجسيداً للدور الإيجابي الذي لطالما لعبته السعودية، فهي التي رعت اتفاق الطائف الذي أصبح الدستور اللبناني وبه عبر لبنان من الاقتتال الأهلي الى الاستقرار، هذا والتقى وزير الخارجيّة السعوديّة الأمير فيصل بن فرحان رئيس الجمهورية جوزيف عون، وقال الأمير بن فرحان بعد اللقاء: “بحثنا في مستجدّات لبنان والمنطقة وأكّدت استمرار وقوف المملكة إلى جانب لبنان كما دعم الإصلاحات من أجل الخروج من الأزمات”، وأضاف “بحثنا في أهميّة الإلتزام بوقف النار وانسحاب إسرائيل من الجنوب وتطبيق القرار 1701 والمملكة متفائلة تجاه لبنان”، كما شدد الأمير بن فرحان على أهميّة تعزيز الإصلاحات في لبنان من أجل إعادة ثقة الدول به ونعمل بجدّية للحفاظ على سيادته وأمنه واستقراره.
من هنا نجد انه لزاماً على القوى السياسية في لبنان التقاط الاشارات والمبادرات العربية والدولية تجاهه وخصوصاً تلك الآتية من الرياض وتفاؤلها تجاه لبنان، وان يخرج ساسة لبنان من زواريب المحاصصة الى الفضاء الوطني الأرحب، وهو ما أكد عليه الرئيس المكلف نواف سلام بعد لقائه الأمير فيصل بن فرحان والوفد المرافق، حيث قال الرئيس المكلف ان “هناك فرصة استثنائية للبنان يجب عدم تفويتها، وانه يعمل بالتعاون الكامل مع فخامة الرئيس على ذلك”.
ولكن على الرغم من الايجابية الا ان بعد القوى مازالت على تعنتها في الحصول على حقائب وزارية بعينها، وفي مقدمة تلك القوى الثنائي الشيعي الذي يصر على ان تكون وزارة المال من الحصة الشيعية على الرغم ان لا نص دستوري يمنحهم تلك الأحقية، وهذا الموضوع كان مثار جدل منذ اولى حكومات ما بعد الطائف، حتى انحصرت خلال العقد المنصرم في يد الثنائي الشيعي حيث كان الرئيس نبيه بري يسمي وزير المال وذلك من أجل تمرير الصفقات حتى أضحى هناك تحالف بين قوى الفساد السياسي وحاكم مصرف لبنان أفضى الى ايصال لبنان الى الانهيار المالي، ورغم ذلك لم يتعظ الثنائي من تكريس وزارة المال متذرعين ان تمسكهم بتلك الحقيبة هو نتيجة اتفاق جنتلمان بين النواب الذين حضروا اتفاق الطائف، وذلك من اجل منح الطائفة الشيعية توقيع على قرارات الحكومية والقوانين من باب المشاركة، غير ان الرئيس بري بوصايته على وزير المال عطل الكثير من القرارات والقوانين والتشكيلات القضائية والعسكرية في إطار المناكفة السياسية.
وفي سياق أحقية الشيعة بوزارة المال قال رئيس مجلس النواب نبيه بري أن حصوله على حقيبة وزارة المال ليس تكريسًا للمثالثة ولا للمرابعة، وأشار إلى أن هذا الأمر تم بتوافق في اتفاق الطائف ولم يكن مجرد نقاش.
وأكد بري تمسكه بحقيبة المال، قائلاً أنه كان على علم بما تم الاتفاق عليه في مداولات اتفاق الطائف حول تخصيص الحقيبة للطائفة الشيعية.
وأضاف الرئيس بري أنه عندما بدأ رئيس الحكومة الراحل الشهيد رفيق الحريري مشاورات تشكيل حكومته، اتفق معه على أن حقيبة وزارة المال ستكون من نصيب الشيعة، وهو ما تم التأكيد عليه بعد أن سمّى بري رضا وحيد لهذا المنصب، لكن عندما صدر مرسوم الحكومة، تبين أن الحريري أصبح وزيرًا للمال بدلاً من رضا وحيد، بينما تم تعيين فؤاد السنيورة وزير دولة للشؤون المالية، وقال الرئيس بري أنه سأل الحريري عن تغيّر التشكيلة، ليطمئنه الحريري بأن وجوده في الوزارة سيكون أفضل من أي شخص آخر، لكنه أعرب عن استيائه من عدم التزام الحريري بالاتفاق حول صلاحيات الحكومة ووزارة المال.
ومن جهته كشف رئيس الهيئة التنفيذية لحزب القوات الدكتور سمير جعجع: ان “الرئيس سلام التقى بالثنائي الشيعي كما الآخرين و”ما عطاهن شي” رغم أن محور الممانعة “طبل الدني” ويمارس إسهالاً إعلامياً”،
وأعلن الدكتور جعجع أنّه “أرسلنا مجموعة أسماء كثيرة للرئيس المكلّف مع سيرهم الذاتية وليس فقط الأسماء التي نريدها للتوزير وله الحرية بالإختيار وعلى الثنائي الشيعي أن يقوم بالدور نفسه”، موضحاً أن “الميثاقية هي إسلامية مسيحية وليست مذهبية وفي السنوات الأخيرة أُدخلت مفاهيم مغلوطة والشيعة مكوّن أساسي ولهم دورهم ولكن عرقلة البلد أمر مختلف تماماً”، وفيما يخص وزارة المال التي يطالب بها الثنائي الشيعي، اعتبر أنّها “ليست حقاً مكتسباً للثنائي الشيعي وقد تولاها منذ اتفاق الطائف وزراء غير شيعة وانتهى زمن الفرض”، وأن نقطة ارتكاز كل الفساد الذي شهده البلد طيلة الـ15 عاماً هي وزارة المالية ومصرف لبنان ويمكن أن يكون وزير المالية شيعياً ولكن أن لا يكون له أي علاقة بالتركيبة التي كانت قائمة”.
وعليه اخلص الى القول ان بعض القوى السياسية لم تتعظ ولم تتعلم من كل ما جرى في لبنان، انه الأجدى بهم التقاط الفرصة واستكمال التغيير الذي بدأ، والذي تمثل بإنهاء هيمنة حزب الله والاحتلال الايراني، والعبور الى الدولة وان لا يضيع ساسة لبنان الفرصة التي قد تكون الأخيرة للبنان لإستعادة استقراره وخروجه من الجحيم.

Related Posts