بقلم : خليل المفتي
في المشهد السياسي الأمريكي، تبرز كامالا هاريس كنائب للرئيس جو بايدن كأحد الشخصيات المثيرة للجدل، وتتزايد الانتقادات التي تطال سياستها وأداءها في عدة ملفات مهمة. يرى العديد من المراقبين أن مواقف هاريس وسياساتها تنطوي على أخطاء تؤثر سلباً على الداخل الأمريكي وعلى دور الولايات المتحدة في الساحة الدولية.
أحد الأخطاء البارزة التي تنسب إليها هو موقفها الداعم لاستمرار الحرب بين روسيا وأوكرانيا، إذ يُنظر إليه كخطوة تعزز من أجواء التوتر العالمي وتطيل أمد الصراع بدلًا من السعي لحلول سلمية. كما يُعتبر تقاربها مع إيران على حساب الأمن القومي العربي تهديدًا لمصالح المنطقة، خاصة مع وجود علاقات وثيقة لبعض مستشاريها مع مسؤولين إيرانيين. هذا التقارب قد يؤثر أيضًا على مصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ويثير مخاوف حلفائها التقليديين هناك.
وفي مؤتمر الحزب الديمقراطي، دعت هاريس إلى أن يكون القرن الحادي والعشرون قرن احتواء الصين، وهو ما يُعدّ تصعيدًا للتوترات العالمية، خاصة في منطقة شرق آسيا. هذه الدعوة تُنظر إليها كخطوة قد تؤدي إلى عدم استقرار إضافي على الساحة الدولية.
كما وجهت هاريس اتهامات إلى الرئيس السابق دونالد ترامب بعدم احترام قادة الدول الأخرى، غير أنها تجاهلت الانتقادات التي تتعرض لها إدارة بايدن بسبب ضعف السياسة الخارجية وتزايد النزاعات الإقليمية خلال فترة ولايتهما، خاصة في مناطق الشرق الأوسط والخليج التي تعاني من غياب الاستقرار والسلام في عهد بايدن وهاريس.
تتمسك هاريس بفكرة التفاوض مع إيران للوصول إلى اتفاق نووي رغم فشل المحاولات السابقة في تغيير سلوك النظام الإيراني، مما قد يعقد المشهد السياسي في المنطقة ويؤثر سلبًا على علاقات واشنطن مع حلفائها. وفي الشأن الاقتصادي، دعت هاريس مؤخرًا إلى فرض رسوم جمركية بنسبة 20% على جميع الواردات الأمريكية، وهو مقترح قد يؤدي إلى اندلاع حرب تجارية ويخلق أزمة اقتصادية تهدد الاقتصاد العالمي.
موقف هاريس المعارض لاستخراج الفحم والنفط في الولايات المتحدة بداعي حماية البيئة يثير قلقًا لدى البعض، حيث يعتبرونه تهديدًا لصناعات الطاقة ويعرض الاقتصاد الوطني للخطر. إلى جانب ذلك، تُبدي هاريس التزامًا شديدًا بسياسات “الاقتصاد الأخضر”، والتي يرى منتقدوها أنها تنطوي على إنفاق كبير في مشاريع يمكن أن تكون أقل تكلفة وأكثر فعالية.
وفي مسألة السكن، تقدم هاريس وعودًا بدعم الطبقة المتوسطة في الحصول على مساكن، وهو هدف نبيل من حيث المبدأ، لكن تنفيذه قد يؤدي إلى ازدواجية مع مبادرات أخرى تقدمها حكومات الولايات، مما قد يؤدي إلى تضارب السياسات وتقليل فعالية الدعم المقدم. وعلى مستوى الأمن الداخلي، يُنظر إلى فشل هاريس في حماية الحدود الأمريكية بشكل فعال كأحد التحديات الرئيسية التي تزيد من ظاهرة الهجرة غير الشرعية، الأمر الذي قد يهدد التوازن الاجتماعي والأمني في البلاد.
يعتبر العديد من المراقبين أن هاريس تفتقر للخبرة اللازمة في السياسة الخارجية، حيث انعكس هذا النقص في فشلها في التعامل مع أزمات مثل الحرب الروسية الأوكرانية والنزاع في غزة. كما أن تصريحات الرئيس بايدن التي وصف فيها مؤيدي ترامب بأنهم “قمامة” لاقت انتقادًا واسعًا، دون أن تقدم هاريس أي اعتذار للشعب الأمريكي، مما زاد من فجوة الثقة بينها وبين الناخبين.
يؤكد البعض أن هاريس تتبنى خطابًا يزرع الشقاق ويؤجج الصراعات داخل المجتمع الأمريكي، متهمةً من يختلف معها بمعاداة الديمقراطية، مما يزيد من حالة الاستقطاب السياسي. وفيما يخص القضايا الاجتماعية، تدعم هاريس حق الإجهاض وتصفه كأحد حقوق المرأة، بينما يعتبره البعض جريمة بحق الجنين.
من ناحية أخرى، يرى منتقدو هاريس أنها تُهمل قضايا الشعب الأمريكي الأساسية وتقضي الكثير من وقتها مع المليارديرات وأصحاب الشركات التقنية الكبرى وشخصيات من هوليوود. ويُنظر إلى تجنبها للمشاركة في اللقاءات الإعلامية بشكل واضح، وافتقارها للشفافية حول نواياها السياسية، كعوامل تُقلل من مصداقيتها لدى الجمهور الأمريكي.
على الصعيد السياسي، يرى البعض أن هاريس تدعو دائمًا للتغيير لكنها لا تُقدم خطوات حقيقية لتحقيقه، بل تظل جزءًا من منظومة الحزب الديمقراطي التي خيبت آمال الناخبين. فعلى سبيل المثال، توجهت إلى مدينة فيلادلفيا ووعدت المواطنين من أصول أفريقية بتخفيف العقوبات على تعاطي الماريجوانا، وهي سياسة قد تثير قلقًا بشأن تداعياتها على المجتمع.
تثار أيضًا تساؤلات حول موقفها من تدهور الحالة الذهنية للرئيس بايدن، حيث يتهمها البعض بإخفاء هذه الحقيقة وعدم التوضيح للرأي العام. ويضاف إلى ذلك انتقاد افتقارها للخبرة في الدفاع والأمن القومي، ويرى الكثيرون أن ترامب قد يكون أكثر كفاءة منها في دور القائد الأعلى للقوات المسلحة.
تروج هاريس أيضًا لسياسات تشجيع ثقافة المثلية وتبني تفسير متطرف للتاريخ، مما يثير مخاوف لدى قطاعات كبيرة من المجتمع. وفي قطاع الصحة، تدعو لتأميم نظام الرعاية الصحية دون استثناء، لكنها تواجه انتقادات بعدم اهتمامها برفع مستوى الخدمات الصحية.
تُنتقد هاريس كذلك على طابعها السطحي، حيث تقوم بتغيير لهجتها أو أسلوبها بناءً على مكان وجودها، مما يعطي انطباعًا بعدم المصداقية. وبالإضافة إلى ذلك، فقد اختارت نائبًا يعكس توجهات سياسية يسارية أكثر تطرفًا منها، مما يعزز مخاوف الناخبين من انزياح الحزب الديمقراطي نحو أقصى اليسار.
في الختام، تظل مواقف كامالا هاريس مصدرًا للجدل والتساؤل حول قدرتها على تقديم قيادة تفي بتطلعات الأمريكيين وتحافظ على مصالحهم في الداخل والخارج.